نالها العرب في مناسبة يتيمة في تاريخهم وظلوا يتعقبونها كل عام دون فائدة تونس –الصباح إذا نظرنا للأمور من زاوية ضيقة فإننا نقول إن حجب جائزة نوبل للآداب هذا العام وفق ما أعلنته الأكاديمية السويدية المانحة للجائزة أمس رسميا لن يكون حدثا مؤثرا جدا في الساحة العربية. بل لعلنا نقول ان ربّ ضارة نافعة. فقد حصل العرب على جائزة نوبل للآداب في مناسبة وحيدة ويتيمة وظلوا يراهنون على الحصول عليها مجددا كل سنة وتتعلق بها همتهم كلما اقترب موعدها لكن في كل مرة تتبخر الآمال وتؤول الجائزة إلى شخصية أدبية أخرى. شخصيات تكون أحيانا من أقاصي الشرق وأحيانا أخرى من أوروبا أو من أمريكا وحتى من إفريقيا، لكن ليس من المنطقة العربية رغم أن المرشحين العرب للجائزة ليسوا أقل قيمة من المتوجين بها أو على الأقل أغلبهم. ولا نتوقع بطبيعة الحال أن تتغير الأمور جذريا هذا العام وأن تؤول الجائزة في صورة عدم حجبها إلى كاتب عربي أو من بلد عربي لأن الأمور تبدو وكأنها محسومة مسبقا وكأن الأكاديمية السويدية اكتفت بنجيب محفوظ ممثلا عن المنطقة ورأت أنه وحده من بين الأسماء العربية، من تليق به نوبل للآداب. زاوية أشمل لكن إذا نظرنا للأمر من زاوية أكبر وأشمل فإنّنا نقول إن حجب نوبل للآداب يمثل خسارة للساحة الأدبية العالمية وللمشتغلين في حقل الأدب ولعشاق الأدب (شعرا ورواية وقصة ومسرحا..) عموما. فجائزة نوبل للآداب ليست جائزة قيّمة فقط وإنما هي اعتراف بقيمة الإبداع في مجال الأدب ومساواته باختصاصات علمية على غرار الرياضيات والفيزياء والكيمياء والطب، بل إن جائزة نوبل للآداب تعتبر من بين أكثر جوائز نوبل مكانة وموقعا في النفوس وهي جائزة عريقة جدا (تأسست في بداية القرن العشرين). وتعتبر جائزة نوبل للآداب حافزا على المطالعة ذلك أن الفوز بها يعتبر إيذانا بإعادة اكتشاف تجربة الكاتب اكتشافا عالميا مهما كانت اللغة المعتمدة ومهما كانت نوعية التجربة ومهما كانت أصوله ويعود ذلك أساسا للفضول الذي تخلقه الجائزة وبفضل التركيز الإعلامي على الشخصية المتوجة دون أن ننسى القناعة بأن جائزة نوبل للآداب عادة ما تؤول لشخصية لديها من الرصيد الأدبي ومن المقدرة الإبداعية ما يجعلها جديرة بالجائزة. بمعنى آخر هناك منسوب من الثقة موجود ضمنيا ويحظى به كل متوّج بنوبل للآداب دون أي احتراز وهو عامل مهم يساعد على ترويج الكاتب ومؤلفاته. ويخشى الملاحظون أن لا تكون الأزمة عابرة، وأن تؤثر على سمعة الجائزة التي تحولت إلى مؤسسة قائمة الذات والتي كانت إلى وقت غير بعيد تعتبر قلعة منيعة ضد كل الرياح العاتية وضد كل الشبهات حتى وإن كنا ندرك أن هناك عوامل أخرى من خارج منطقة الأدب والإبداع الأدبي تساهم أحيانا في التأثير في اختيار سعداء الحظ المتوجين بنوبل للآداب من بينها العوامل السياسية مثلا لكن أن يكون الأمر متعلقا بوجود شبهات أخلاقية واتهامات بارتكاب جرائم مالية فتلك مسائل نراهن على أنها لم تكن تخطر بالأذهان. فقد نجحت الأكاديمية السويدية إلى حد كبير في فرض هيبتها على الجميع ورغم أن الفنان بوب ديلان قد تصرف بعنجهية كبيرة مع الأكاديمية لما منحته الجائزة في نسختها للعام ما قبل الماضي (2016) ولم يبدد الشكوك حول إمكانية تغيبه أثناء موكب تسليم الجائزة إلى آخر لحظة، فإن الأمر لم يحسب ضد المانحين للجائزة وإنما اعتبر لفائدتها. فالخطوة التي اتخذتها الأكاديمية التي جازفت بتتويج فنان لأول مرة في تاريخ الجائزة قوبلت بالترحيب لدى نسبة هامة من النقاد الذين رأوا فيها محاولة للتجديد والخروج عن العادي والمألوف لأنه من النادر أن تمنح الجائزة للشعر الغنائي حتى وإن كان ذا جودة عالية وله بعده الإنساني. خيبة أمل وصدمة للبشرية ولا شك أنها خيبة أمل جديدة تصيب المهتمين والمراهنين على مثل هذه المبادرات التي لها أبعاد رمزية مهمة، في سياق تاريخي مشحون وفي لحظة ترى فيها البشرية أن أحلامها تتهاوى يوميا وأن التقدم العلمي والتكنولوجي لم يخلق السعادة المرجوة للإنسان. وهي صدمة كبيرة في كبر حجم الجائزة التي هي من المفروض جعلت لتكرم الإبداع ولتتوج الأفضل على مستوى عالمي ولتخلق حالة من التنافس الذي من شأنه أن يساعد على تطوير ملكة الإبداع الأدبي الذي هدفه الأسمى في النهاية هو القارئ أينما كان على الكرة الأرضية. وهي عوامل كفيلة لوحدها بجعل نوبل للآداب مرفأ تلتقي فيه البشرية وتتكلم فيه لغة واحدة، لغة الأدب والخلق والإبداع. ومن الطبيعي في ظل ما يروج حول المشاكل الأخلاقية ومحاولات التحرش الجنسي وكذلك التلاعب بالجائزة والكشف عن أسرارها إضافة إلى وجود شبهات فساد مالي داخل الأكاديمية المانحة للجائزة أو تحوم حول أعضاء بها، أن تتعدد السيناريوهات التي تراهن على وصول جائزة نوبل للآداب وربما بقية جوائز نوبل إلى نهاية المطاف. ومن الطبيعي أن يعتبر الملاحظون أن نوبل للآداب لم يعد لها ذلك النفس الطويل حتى ترعى الحلم الكبير المتمثل في تشجيع المبدع على أن يقدم للبشرية التي تتعرض يوميا لامتحانات حياتية شاقة، البرهان على أن هذا الوجود أجمل وان الحياة تستحق أن نحياها...