مستويات قياسية جديدة للسيولة التي ضخها البنك المركزي للقطاع البنكي حتى يقوم بدوره على الوجه الأكمل، حيث بلغ نقص السيولة يوم 8 ماي الجاري 14106 مليون دينار بعد أن كان بحجم 11813 مليون دينار مع بداية السنة الحالية 2018 أي بزيادة بحوالي 2000 مليون دينار في أقل من 4 أشهر. وتعرف حاجيات البنوك من السيولة ارتفاعا مهولا منذ 2011 حيث بلغ ضخ السيولة لفائدة البنوك من قبل البنك المركزي مع نهاية 2010 حوالي 1000 مليون دينار لتصل مع نهاية 2012 إلى 4250 مليون دينار ثم 6000 مليون دينار في 2015 ليبلغ مع نهاية 2016 أكثر من 8000 مليون دينار ليصعد هذا الرقم إلى 9400 مليون دينار مع نهاية 2017 ، ما يعني أن هذا الرقم ارتفع بأكثر من 4000 مليون دينار منذ نهاية السنة المنقضية إلى اليوم وهو رقم مهول. ويعود تدهور السيولة لدى البنوك إلى السحوبات المكثفة من الودائع وإلى تدهور مدخرات البلاد من العملة الصعبة التي بلغت يوم 8 ماي 2018 حوالي 11165 مليون دينار أي 75 يوم توريد فقط. كل هذا أدى إلى تواصل ارتفاع نسب التضخم التي بلغت 7.7 بالمائة ما دفع بالبنك المركزي إلى الترفيع في سعر نسبة الفائدة المديرية ب75 نقطة أساسية لتنتقل من 5 بالمائة إلى 5.75 بالمائة. تواصل التداين الداخلي ويعد التداين الداخلي أي اقتراض البنك المركزي من البنوك المحلية، من أجل تغطية المصاريف العمومية، من أهم أسباب تراجع السيولة لدى البنوك على اعتبار أن الدولة كل ما احتاجت إلى تغطية مصاريفها إلا واتجهت نحو الاقتراض من البنوك الوطنية ما جعل البنوك بدورها تشكو من نقص فادح من حيث السيولة. من جهة أخرى أدت الوضعية الصعبة للاقتصاد الوطني، من تراجع لموارد الدولة بسبب ضعف مداخيل القطاع السياحي وتدهور الصادرات مع تضخم عجز الميزان التجاري مقابل ارتفاع المصاريف، إلى اتجاه البنك المركزي إلى التداين الداخلي والخارجي كل هذا دون خلق الثروة لا سيما وأن نسب الاستثمار تبقى ضعيفة. تدهور المنظومة المالية وبالنظر إلى تواصل ضعف السيولة لدى البنوك مقابل الحاجيات المتزايدة للاقتراض من أجل تغطية المصاريف فإن المنظومة المالية في تونس باتت مهددة بالانهيار في ظل عدم وضوح السياسة النقدية والتي يعتبرها رؤوس الأموال الوطنية والدولية معرقلة لتطور الاستثمار وجلب الاستثمارات الأجنبية ما خلق حالة من عدم الثقة في المنظومة المالية. حالة عدم الثقة أدت إلى تعامل البعض خارج المنظومة المالية المهيكلة بمبالغ ضخمة تصل إلى آلاف المليارات، كل هذا يتطلب إيجاد حلول عاجلة لاحتواء الضعف المتواصل للسيولة البنكية خاصة وأن صندوق النقد الدولي قد شدد على ضرورة الحد من تدخلات البنك المركزي لتمويل المنظومة البنكية.