شكل تقديم مجلة الجماعات المحلية واختصاصاتها والموارد المالية والجوانب البيئية في المجلة والدور الرقابي للقاضي الإداري في المجال ابرز محاور الندوة العلمية والتحسيسية التي انتظمت منذ ايام ببادرة من اذاعة صفاقس وبالتعاون مع الجامعة وكلية الحقوق بالجهة،وهو لقاء يأتي في إطار التعريف بمقتضيات المجلة الجديدة لدى المنتخبين الذين سيتولون المسؤولية في المجالس البلدية القادمة. وقصد تسليط الضوء على المجلة والتوجهات الكبرى المركزية في تونس كان ل»الصباح الأسبوعي» لقاء مع الدكتور عصام بن حسن الاستاذ بكلية الحقوق بصفاقس واحد المساهمين في الندوة المذكورة والذي يرى أن اللامركزية الترابية هي الحل الذي وقع الاهتداء إليه لتسيير المصالح المحلية من قبل المجموعة المحلية نفسها مشيرا إلى أن أحد الفقهاء اعتبر أن قوة الشعوب الحرة تكمن في المؤسسات المحلية حيث أن مكانتها بالنسبة إلى الحريات بمكانة المدارس الابتدائية للعلم، كما أن دوافع اللامركزية ليست إدارية وإنما دستورية والدولة الحديثة لا تحتاج فقط إلى إدارة كفاءة وإنما إلى تكريس الحريات السياسية واللامركزية أيضا وهو خيار سياسي أساسه وجود مصالح محلية متميزة يتعين إدارتها من طرف متساكني المنطقة أنفسهم حتى يساهم المواطن في تسيير شؤونه المحلية،وعليه فإن العلاقة تبدو وثيقة بين اللامركزية والديمقراطية بما أن التنظيم اللامركزي يفترض ممارسة المواطن لمصالحه عبر نواب ينتخبهم وحول إمكانية المساهمة الفعلية للمواطنين في اتخاذ القرارات قال الدكتور بن حسن ان دستور جانفي 2014 اكد على التزام الدولة بتبني اللامركزية كخيار للتنظيم الإداري للدولة والقطع مع المنظومة القديمة وتمكن من الانخراط في منظومة جديد ة تقوم على اعتبار الجماعات المحلية سلطة فعلية تتمتع بالصلاحيات التي تمكنها من التسيير باستقلالية،كما أن المنظومة تقوم على أساس تشريك المواطن في اتخاذ القرارات وتحمل الأعباء مما يلزم الجماعات المحلية بتقديم الخدمات الفضلى في نطاق ما يرسمه التشريع الوطني ضمانا لوحدة الدولة من جهة وإعادة الشأن المحلي لأصحابه الحقيقيين من جهة أخرى علما بأن التغيير ات الجذرية التي أدخلها الدستور الجديد شملت بالأساس التنظيم والصلاحيات والموارد ومشاركة المواطن في الشأن المحلي والتي تناولتها المجلة في أدق تفاصيلها.مضيفا أن المجلة تعد من أهم النصوص التي تم اتخاذها بعد الدستور وقد وصفت بالدستور الصغير اعتبارا لتناولها مسألة في غاية من الأهمية ،متمثلة في توزيع السلطة بين المركزية والسلطة المحلية المنتخبة فضلا عن إقرارها لجملة من الحقوق والحريات للمواطن المحلي وذلك في تطور هام مع تعاطي الشأن المحلي.كما أن الدستور تضمن ثلاثة اصناف من الجماعات يغطي كل منها كامل التراب الوطني ألا وهي البلديات والجهات والأقاليم. هل من حلول لمعالجة الضائقة المالية للجماعات؟ وفي خصوص المبادئ والقواعد المنظمة للجماعات المحلية أكد بن حسن أن الدستور تضمن مجموعة من الفصول المكرسة لجملة من مبادئ التنظيم المحلي كالاستقلالية المعنوية والمادية والانتخاب والتدبير الحر والتضامن المحلي والشراكة مع الخارج ،وبالنسبة إلى الاستقلالية الإدارية والمالية مثلا فإن للبلدية حق التصرف في مواردها المالية في نطاق القانون اي بدون تعليمات من السلطة المركزية إلا أن هذه الاستقلالية تتطلب مجهودا من الدولة لمعالجة الضائقة المالية التي تمر بها الجماعات وإيجاد الموارد الدائمة فضلا عن اعتماد إجراءات انتقالية يحتمها الظرف،ويرى أن المواطنين من جهتهم مطالبون بدفع مساهماتهم الجبائية وغير الجبائية لإكساب الجماعات المحلية موارد ذاتية لا يمكن بدونها تحقيق الاستقلالية الحقيقية وسيكون الجميع معنيين بمقاومة التهرب من دفع الضرائب وكل المساهمات التي تكسب الجماعات استقلالية مالية ونجاعة في تدخلها. من جهة أخرى فإن الدولة مطالبة بالتعجيل في تركيز قضاء مالي اكثر مما هو موجود اليوم داخل البلاد حتى يتم احتواء المخاطر التي يمكن أن تترتب عن اللامركزية من انحرافات ممكنة تتعلق بالتصرف في المال العام خاصة وأن القضاء المالي والإداري سيكون له دور مهم لتعويض التخلي عن الرقابة المسبقة التي كانت تمارسها سلطة الإشراف. وفي نفس السياق أشار إلى حادثة تاريخية جرت في اوائل الاستقلال اذ أن تونس خسرت مقررها العام للدستور زعيم الشباب علي البلهوان بسبب رقابة الإشراف،فالبلهوان كان رئيسا لبلدية تونس في أولى انتخابات بلدية بعد الاستقلال وقد قام بعمل كبير وتوخى منهج الاستقلالية عن المركز وهو ما لم يعجب الزعيم بورقيبة فقام باستدعائه في جلسة مثيرة بحضور وزير الداخلية آنذاك وأراد التدخل في الشؤون البلدية وطالبه بتغيير الكاتب العام مما أغضب علي البلهوان الذي غادر الاجتماع في قولة شهيرة أن الحياة اذا كانت بدون كرامة فالموت افضل.وبالفعل توفي الرجل في نفس اليوم.وعموما فإن الواقع الذي نعيشه اليوم وربما النتائج التي أفرزتها انتخابات 6 ماي تقتضي تبني خطة مدروسة في التوجه نحو إرساء ودعم اللامركزية التي تعتبر رهانا تنمويا وديمقراطيا لا يتحقق إلا بوعي الجميع وحرصهم على خدمة الصالح العام.