دعت بعثة صندوق النقد الدولي في بيانها الصادر الاربعاء ليلا - بعد مهمة مراقبة بتونس دامت أسبوعين- الحكومة التونسية إلى التسريع بتطبيق ثلاث أولويات على المدى القريب بغاية التسريع بإعادة التوازن لانخرام الميزانية العمومية للدولة. أولى تلك الأولويات المُضي في بذل الجهود لتخفيض دعم الطاقة الذي يعود بقدر أكبر من النفع على ميسوري الحال بشكل غير تناسبي، وثاني الأولويات احتواء كتلة أجور القطاع العام التي تُعتبر من أعلى المستويات في العالم كنسبة من إجمالي الناتج المحلي.. اما الأولوية الثالثة فتتمثل في اعتماد مشروع قانون إصلاح نظام التقاعد من أجل تعزيز الاستدامة المالية لنظام الضمان الاجتماعي. وبغض النظر عن المؤشرات الايجابية للنمو في الربع الأول من هذا العام التي باركتها بعثة الصندوق ووصفتها بأنها بشائر تعافي الاقتصاد التونسي فإن مخاطر داخلية وخارجية تهدد الاستقرار الاقتصادي على غرار الارتفاع غير المسبوق لنسبة التضخم وارتفاع أسعار البترول.. فالتضخم بلغ حدودا قصوى لم تسجلها تونس منذ 27 سنة مما استوجب الترفيع في نسب الفائدة بما يعنيه من فرملة للدورة الاقتصادية وكأن ذلك لا يكفي اذ انعكست الأزمة الأمريكية الإيرانية سلبا على أسعار البترول التي قفزت من معدل 48 دولارا انبنت عليه ميزانية سنة 2018 إلى زهاء ال80 دولارا خلال الأيام الأخيرة بما يعنيه ذلك ثغرة إضافية في ميزان الدفوعات قد تزيد عن ملياري دينار بحلول نهاية السنة رغم المراجعة الدورية الثلاثية التي أقرتها الحكومة والتي يحل موعدها بحلول نهاية الشهر الجاري. إن دقة الظرف بما تحمله من بشائر تعافي وفق التعبير الحرفي لأعضاء البعثة يجب أن يكون حافزا لتغليب المصلحة العليا للوطن عن المصالح الضيقة للأحزاب والمنظمات واللوبيات والعائلات من خلال تجنب الهزات الممكن تجنبها والالتفاف جميعا حول هدف واحد ألا وهو إعادة عافية الاقتصاد والشروع في الإصلاحات الكبرى مهما كانت درجة ألمها فألم إبرة الحقنة لا يجب أن يحجب ما تحمله من دواء فيه شفاء وإنقاذ من هلاك محتوم . لقد آن الأوان لتوجيه رسائل ايجابية إلى الفاعلين الدوليين وإلى مجلس إدارة صندوق النقد الدولي الذي سينعقد مطلع جويلية القادم والذي ارتهنا طوعا لقراراته بعد أن انخرطت كل الأطراف في تلبية المطالب الشعبوية تحت ضغط بعض المنظمات دون مراعاة لواقع البلاد وفي غياب الانتاجية.. إن تونس أمانة بين أيدي من وليناهم أمرنا وعليهم أن يكونوا في مستوى الأمانة.