مسلسل «شورّب» الذي أنتجته قناة «التاسعة» وتواصل بثه بالمراهنة عليه كمادة رئيسية في برمجتها الرمضانية، لا يزال مثارا للجدل، رغم أنه لم يتبق في عمر هذا المسلسل سوى بعض الحلقات باعتبار أن مدته 20 حلقة في النسخة الأولى الخاصة برمضان 2018. لأن القائمين على إنجاز هذا العمل وعدوا بالتحضير لجزء ثان للمسلسل مع فرضية إنجازه في العام القادم. وتجدر الإشارة إلى أن مسلسل «شورّب» هو أول تجربة في الاخراج لعمل درامي للمخرج الشاب ربيع التكالي وساعده في انجازه فريق شاب يتكون من المخرج الشاب خالد وليد البرصاوي والمنتجة رانيا مليكة ومدير التصوير عصام السعيدي وغيرهم. أما كتابة السيناريو فتقاسمها كل من رياض النفوسي، بعد أن اعد مشروع سيناريو فيلم ليحوله بمعية يسري بوعصيدة إلى مشروع عمل درامي. وكغيره من الأعمال الدرامية، واجه هذا العمل موجة من الانتقادات. ولعل لارتباط فكرته بشخصية «علي شورّب» من العوامل التي جعلته يكون مصدر جدل حتى قبل انجازه نظرا لما تتميز به هذه الشخصية من نزعة للعنف و»الإجرام» وترويعا للناس في الأربعينات والخمسينات والستينات من القرن الماضي باعتبار أن هذا الأخير كان قد توفي مقتولا سنة 1972. لتتباين حول هذا المسلسل المواقف والآراء مما أدى بدوره لاختلاف القراءات منذ بث الحلقات الأولى في بداية رمضان الجاري وهو ما تعكسه شبكات التواصل الاجتماعي وتفاعل الرأي العام مع مضمونه ولا يزال هذا العمل الدرامي يتصدر ترتيب المسلسلات الأكثر مشاهدة على اليوتيوب. وشارك في تجسيد أدوار أبطال هذا العمل الدرامي ثلة من أبرز الممثلين في تونس نذكر من بينهم لطفي العبدلي في دور «علي شورب» والممثلة القديرة دليلة المفتاحي في دور «فاطمة» والدته إضافة إلى كل من معز القديري في دور «عمار» وتوفيق العايب وزياد التواتي وجمال المداني ومحمد السياري وحمادي الوهايبي وريم الحمروني فضلا عن مشاركة أسماء أخرى على غرار ليلى بن خليفة في دور «جنات» ونجلاء التونسية والحبيب المنصوري ومحمد الهرمي وأسامة كوشكار ونجوى ميلاد والشاب رامي النفوسي وغيرهم. وما يحسب لهذا العمل نجاح «الكاستينغ» الذي انعكس في الأداء المتميز لأغلب الممثلين وفي مقدمتهم دليلة المفتاحي وهو ما يبرز الدور الكبير للمخرج وللقائمين على إدارة الممثلين. وذلك رغم ما شنه البعض من هجوم وانتقاد لاختيار لطفي العبدلي في دور «شورب» خاصة منهم العارفين بهذه الشخصية ومجايليها. ولئن انطلق العمل في محوره الرئيسي من شخصية ومرحلة تاريخية هامة من تاريخ تونس ثرية بالأحداث السياسية والاجتماعية والثقافية والإقتصادية، فإنه لم يكن في جوانب كثيرة في مستوى البنية الحكائية وفيا لتلك المرحلة وخصوصياتها رغم اليقين بضرورة مراعاة «الحاجة» الدرامية وما تتطلبه من تداخل بين الخيالي والواقعي في عمل درامي تراجيدي بامتياز. مرحلة ثرية لكن! ما يحتفظ به التاريخ القريب الخاص بهذه المرحلة وتحفظه الذاكرة الجماعية هو الدور الكبير الذي لعبه علي شورب في تلك المرحلة الهامة من تاريخ تونس على أصعدة مختلفة خاصة أنه كان يعيش في الحلفاوين وسط العاصمة باعتبارها القلب النابض للمدينة والمحضنة والمحرك للأحداث السياسية والثقافية ورافدا لما هو اجتماعي في مرحلتي ما قبل الاستقلال وما بعده. وهو تقريبا ما حاول المخرج وكاتبي السيناريو بلورته في هذا العمل رغم عنونته ب»شورب». إذ كانت المشاهد التي ظهر فيها البطل المحور للمسلسل قليلة في كل حلقة لكن تداعيات أدواره وخصوصيات المرحلة وما عرفته من أحداث سياسية واجتماعية وحركية ثقافية كانت واضحة سواء أتعلق الأمر بالحركة الوطنية أو دعم الأجانب خاصة منهم الإيطاليين التونسيين في النضال من أجل التحرر وموجة مغادرة الأجانب لتونس بعد تفريط البعض في أملاكهم مقابل ما شهدته البلاد في تلك المرحلة من تزايد موجة النزوح نحو العاصمة فضلا عن حركة اليوسفيين ودور اليسار التونسي الجلي في تلك المرحلة. فركز المسلسل في توجهه على منطق القوة السائد في جانب من مجتمع العاصمة، وهو منطق يتجلى تحت مفاهيم مختلفة تتراوح بين «الباندي» و»الخليقة» وغيرها من القيم التي تصنف تحت منطق «الرجولية والشهامة» وصولا إلى «المجرم». وبعيدا عن منطق المقارنة بين الأمس واليوم ومنطق «تبييض» الإجرام وتجارة المخدرات أو «التكروري» وانخراط بعض القائمين على أجهزة الدولة في الفساد. وقد نجح العمل محاولة الإلمام ببعض خصوصيات المرحلة وإعادتها تقديمها للمشاهد في عمل درامي بعد إضفاء طابع درامي وإضافة قصص حب جعل العمل يحظى بمتابعة جماهيرية واسعة ويدفع إعادة النظر والمناقشة لبعض الظواهر والممارسات والأحداث التي طبعت تلك المرحلة التاريخية لتونس الحاضرة. لذلك عرج المسلسل على اللباس والعادات والتقاليد السائدة في المجتمع التونسي وبداية الوعي والثورة عل بعض الظواهر الاجتماعية البالية من قبيل الطقوس والاعتقادات المتعلقة بالزوايا فضلا عن الخصوصية الثقافية على غرار الكافي شانطا والملاهي الليلية التي لم تكن مجرد فضاء للترفيه بل مكان تدار فيه صغائر وكبار أمور البلاد السياسية والاقتصادية وبداية النهضة الثقافية والفكرية وانتشار الجرائد. لكن هذا العمل لم يخل من نقائص وجزئيات كانت تميز تلك المرحلة على غرار المذياع الذي كان عنصرا حاضرا بقوة في تلك المرحلة فضلا عن اجماع اغلب العارفين بتلك المرحلة من كون السجون التونسية لم تكن توفر لنزلائها «أسرة» على نحو ما قدمه العمل. كما كانت «جرعة العنف زائدة» إلى حد أن البعض تخوف من إمكانية تأثير ذلك على الأطفال بشكل خاص. ولعل لإبداع الممثلين في تجسيد أدوارهم من العوامل التي غطت على الهنات المسجلة في العمل وجعلت المشاهد لا يركز على بعض التفاصيل الصغيرة من قبيل ديكور المنزل والملابس والأواني المعتمدة في تلك الفترة، باعتبار أن العمل لم يكن مباشراتيا في طرحه لمتعلقات تلك المرحلة من تاريخ تونس بل اعتمد الرمزية والإيحاء والتلميح سواء عبر النص المنطوق أو المشاهد والصور.