عادة ما يشهد الدينار التونسي ضربات قاصمة في ما بين شهري مارس وجوان من كل سنة، باعتبار أن هذه الفترات توزع فيها الشركات الأجنبية المقيمة بتونس أرباحها بالعملة الصعبة وهو ما يؤدي إلى استنزاف كميات هامة من المخزون الوطني للعملة الأجنبية. ويرى العديد من المتدخلين في الشأن المالي انه من الضروري إيجاد حلول لتفادي هذا الانزلاق في ظل تراجع أهم القطاعات والمحركات الاقتصادية المدرة للعملة الصعبة وأهمها الفسفاط والسياحة وقطاع التصدير عموما، من خلال تعبئة موارد مالية جديدة لتغذية المخزون الذي عرف في السنوات الأخيرة تراجعا وصف بالتاريخي حتى بلغت قيمة الموجودات الصافية من العملة الأجنبية حدود ال10740 مليون دينار أي ما يعادل ال72 يوم توريد إلى غاية يوم أمس الأربعاء 13 جوان 2018.. وأمام هذا الانزلاق المتواصل، أقرت الحكومة منذ فترة جملة من الإجراءات أهمها الإجراءات الحمائية التي أطلقتها مؤخرا، والتي تهدف أساسا إلى ترشيد التوريد باعتباره السبب الرئيسي وراء تراجع المخزون، حتى اقترح العديد من المتدخلين في الشأن المالي أنه من الضروري توقيف التوريد نهائيا مع معظم المواد الكمالية والسماح فقط بتوريد الأدوية والمواد الأساسية والمحروقات. وهذا ما ذهبت إليه الحكومة، حيث فرضت مطلع السنة الجارية أداءات جديدة على عدد من المواد الموردة، فضلا عن تحديد وزارة التجارة لقائمة تضم حوالي ال220 منتجا غير ضرورية من بينها عدد من المواد الغذائية مثل أنواع من الأسماك والأجبان والفواكه إضافة إلى العطور والخمور وبعض الأجهزة الكهربائية مثل آلات التكييف. من جهته، أمر البنك المركزي البنوك المحلية بوقف منح قروض للتجار لتمويل واردات حوالي 220 منتجا استهلاكيا في نفس السياق الذي يتنزل فيه قرار وزارة التجارة، باعتباره قرارا صادرا عن الجهتين الرسميتين. ورغم المساعي الكبيرة من قبل الدولة والبنك المركزي للمحافظة على مدخراتنا من العملة الصعبة، إلا أنها لم تسيطر بعد على هذا الانزلاق المتواصل ليتجاوز اليوم الخطوط الحمراء. ويتوقع أن تتغير الأمور في الأيام القليلة القادمة حسب ما أعلن عنه مؤخرا محافظ البنك المركزي التونسي مروان العباسي وإمكانية ارتفاع احتياطاتنا من النقد الأجنبي بفضل تمويلات خارجية ستتحصل عليها تونس موفى شهر جوان الجاري. حيث أفاد العباسي بان تونس ستتحصل على قرض من البنك العالمي بقيمة 500 مليون اورو موفى جوان الحالي ستخصص لدعم موارد الميزانية، فضلا عن حصول تونس على قسط جديد من القرض الممدد بقيمة 259 مليون دولار وسيتم صرفه بداية جويلية 2018. كما تعول بلادنا على قطاع السياحة الذي يمثل 8 % من الناتج المحلي الإجمالي باعتباره من أهم القطاعات المدرة للعملة الصعبة، خاصة أن عائدات السياحة ارتفعت بنسبة 23 % على أساس سنوي فقط في الربع الأول من السنة الجارية لتحقق ما يناهز ال457 مليون دينار مقارنة بنفس الفترة من السنة المنقضية. وتبقى هذه التوقعات مسكنات أمام حدة الوضع الذي يعرفه مخزوننا الوطني من النقد الأجنبي، في انتظار إصلاح هيكلي على مستوى البنك المركزي للحد أكثر ما يمكن من التوريد العشوائي والتحكم في استنزاف العملة الصعبة في إطار قانوني منظم تحدده كل الأطراف المتدخلة.