مع تزايد التضييقات الأوروبية على حق التنقل وصعوبة الحصول على تأشيرة دخول إلى الدول الأوروبية يجد الكثير من الشباب في تحدي ركوب البحر والبر سرا والتسلل نحو الحدود الغربية حلا لما يعتبرونه مأساة وضمان مستقبل أفضل رغم أنها رحلة محفوفة بالمخاطر.وقد نتجت عن ذلك عديد الحوادث والمآسي على غرار فاجعة قرقنة أوائل الشهر الجاري. وفي إطار التعرف عن قرب عن تجربة المهاجرين السريين كان للصباح الأسبوعي لقاء مع شاب قام خلال السنوات الماضية باجتياز الحدود خلسة للوصول إلى أوروبا الغربية متحديا بذلك الصعوبات والإشكالات والعوائق وبقي عدة أشهر بين حدود عدد من البلدان ولكنه في الأخير عاد إلى الوطن بعد أن اقتنع بزيف الاوهام وصعوبة الحصول على شغل شريف في جنة أوروبا المزعومة تشرد وإهانة وجوع حول هذه التجربة يقول الشاب رمزي بن مبروك أصيل صفاقس ومن مواليد 1984ويشتغل حالياً سائق تاكسي بالمدينة أنه قام سنة 2004بمحاولة اجتياز الحدود خلسة مع مجموعة من الشباب وذلك طمعا في تحقيق حياة أفضل والحصول على شغل يدر عليه بالمال الوفير ويمكنه من اقتناء السيارة ثم الزواج من اجنبية قصد التباهي بكل ذلك أمام الأهل والأصدقاء،على غرار ما كان يتحقق للشباب المهاجرين في القرن الماضي،إلا أن شيئا من ذلك لم يحسم ووجد نفسه مقبوضا عليه من قبل الأمن والحكم عليه بسنة سجنا أو القيام بالخدمة العسكرية وقد اختار الحل الثاني والتحق بالجيش إلا أنه لم يستطع إتمام السنة وهو ما ندم عليه إثر ذلك خاصة سنة 2011اذ كان يتمنى أن يساهم في خدمة الوطن حتى عبر جيش الاحتياط. ورغم مرور سنين عديدة بعد ذلك فإن فكرة الهجرة غير الشرعية أو ما يعرف بالحرقة بقيت تراوده رغم أنه كان بإمكانه الحصول على شغل بالمدينة بما أنه يمتلك رخص السياقة بكل أصنافها.وبالفعل قام سنة 2010بالتوجه إلى ليبيا ثم إلى تركيا عبر الطائرة ومن هناك بدأت المغامرات نحو المجهول صحبة صديق له قصد الالتحاق باليونان عبر الحدود البرية خلسة وللغرض التقى بتونسي من أبناء جهته وهو منظم رحلات غير قانونية وقاده إلى منطقة حدودية مع اسطنبول الى ايديرنا وتم تلقفه من قبل شخصين تركيين لعبور الحدود اليونانية على متن جرار فلاحي بغاية التنقل فيما بعد إلى إيطاليا أو فرنسا وألمانيا لكن هيهات،اذ أنه وجد رفقة صديقه أشخاصا من ألبانيا مهمتهم تسهيل تنقل المهاجرين السريين بمقابل عبر واد طويل ومتشعب كما يوجد قربه مهاجرون أكراد وأفغان كانوا بدورهم يستعدون للمرور إلى أقرب قرية باليونان.وهنا يقول رمزي أن هول المفاجأة انطلق في تلك المنطقة اذ أن أحد عناصر العصابة طلب منه دفع المال للمرور ولما أجابه بأنه لا يملك مالا قام بوضع المسدس على رأسه مهددا بقتله إلا أنه صاح بأنه مسلم وأنه صائم رمضان بما أن الواقعة جدت في الشهر العظيم،ولما سمعه الاتراك هبوا لنجدته من القتل وتم السماح له بالمرور وحمد الله على سلامته رغم أنه يقول انه عصى ربه لكن الله رحمه. وبعد هذه الغصرة -ان صح التعبير- بين رمزي أنه توجه رفقة صديقه إلى قرية الكسندرا بولي باليونان أين قضيا الليلة في كنيسة بعد المشي لساعات على القدمين في طرق ملتوية وأودية صعبة ومن ثمة ركبا الحافلة الى منطقة تيسالونيك والتي تعتبر بر الأمان بما أنها توجد بها محطة حافلات كبر ى تنقل إلى اثينا عاصمة اليونان والتحول اثر ذلك إلى منطقة امونيا وسط العاصمة وهي منطقة معروف عنها أنها مركز لتجمع المهاجرين السريين من كل أنحاء العالم كما أنها وكر لتعاطي المخدرات»بياسا»قائلا أنه تفاجأ بما اكتشفه وأصيب بخوف شديد ،هذا مع تواجد أعوان أمن يونايين يراقبون هذا الوكر وهو ما جعله يفر بجلده إلى منطقة ناترا بعد الاتصال ببعض الاصدقاء التونسيين حيث تمت الإشارة عليه باتباع طريق السكة الحديدية ضانا منه أنه سيصل إلى أحد المنازل لأخذ قسط من الراحة خاصة وأنه لم ينم إلا ثلاث ساعات لمدة أربعة أيام متتالية،إلا أنه وجد نفسه رفقة آخرين قرب محطة قطارات قديمة وبجانب مؤسسة السكة الحديدية والتي يتخذ ها المهاجرون السريون ملجأ خاصة في الفترة الليلية وأصيب بالصدمة الكبرى لهول ما شاهده ولأنه تكبد مصاريف تناهز ثلاثة آلاف دينار للوصول إلى المحطة المذكورة حيث بقي لمدة ثلاثة أيام وأشير عليه بالعمل ،وصدم مرة أخرى حين تم اعلامه أن العمل المقترح هو نوعان لا ثالث لهما وهو إما امتهان السرقة لكسب لقمة العيش أو الاتجار بالمخدرات،ويقول أنه اضطر إلى السرقة وحتى التسول حتى يتمكن من الحياة هناك في ظروف تعيسة لمدة ثلاثة أشهر أملا في تحسن الوضع في يوم ما،إلا أنه مع الفشل في الحصول على شغل شريف تحول إلى فلورينا وهي منطقة حدودية مع مقدونيا على أمل المرور إلى صربيا ثم المجر والنمسا.وفي هذه المرحلة انطلق التصادم والكر والفر مع الشرطة المقدونية والصربية لمدة شهرين نجح إثرها في الوصول إلى المجر بعد أن ذاق كل أنواع العذاب والدليل(لاماء،لاكهرباء،لااستحمام،لاسكن لائق...)،هذا إلى جانب نظرة الأوروبيين واعتبارهم المهاجرين مجرمين وإرهابيين ومحترفي السرقات،واثر ذلك تمكن بمشقة من الوصول إلى النمسا خلسة بعد جهود مضنية إلا انه تم القاء القبض عليه رفقة مجموعة من الشباب من تونس ومصر والجزائر.وقام الأمن النمساوي بإرجاعهم إلى الأمن المجري ومنه إلى الأمن الصربي ثم الأمن المقدوني علما بأنه أكد تعرض كامل المجموعة إلى العنف من قبل القوات في كل المراحل وافتكاك أموالهم وهواتفهم الجوالة وانتهى به المطاف إلى أثينا نقطة الانطلاق بعد محاولات وتعب وكر وفر بلغت أكثر من 15مرة لمدة ستة أشهر وقرر في الاخير العودة إلى تونس بعد أن اقتنع بسراب الهجرة غير الشرعية واتصل للغرض بقنصلية تونسبأثينا التي قامت بالإجراءات اللازمة ومكنته من جواز عبور إلى الوطن حيث عاد مع انطلاق الثورة في 17ديسمبر2010 على الشباب التفكير جيدا قبل الحرقة وحول الدروس والعبر التي استخلصها من هذه التجربة المريرة يرى رمزي أن الحياة من غير رضاء الوالدين وزوجة صالحة لا تساوي شيئا وتوجه بدعوة حارة إلى الشباب تتمثل في ضرورة التفكير جيدا قبل اتخاذ قرار الحرقة وكذلك التفكير في دموع الآباء والأمهات المتحسرين على ضياع أبنائهم مشيرا إلى أن الإيطاليين هاجروا إلى تونس في القرن التاسع عشر والثامن عشر والعشرين وهو ما يؤكد أن بلادنا تزخر بالخير ات والحضارات وهي في حاجة ماسة الى أبنائها وبناتها كما أن خريطة تونس عبارة عن امرأة حامل كل ما يزداد فيها مولود تفرح به،ومؤكدا أن فلاحتنا وبلادنا عامة في حاجة إلى كل طاقاتها لخدمة الزيتون والنخيل والقمح وغيرها من القطاعات خاصة أن الله منّ علينا بعدة خصال مفتقدة في الخارج كالرحمة والتضامن وكرم الضيافة.من جهة أخرى دعا بن مبروك العائلات وخاصة الأولياء إلى مراقبة أبنائهم والإحاطة بهم داخل وخارج البيت وعدم فرض شروط تعجيزية عند عزم الشباب على الزواج مشيرا إلى أن ما يروج في الاعلام الالكتروني وشبكات التواصل الاجتماعي من رفاهية الشباب المهاجرين وحسن أوضاعهم هو بالتأكيد حلم خاطئ وخيالي داعياً أبناء جيله إلى التشبث بالوطن وخدمته للتصدي لكل المخاطر المحتملة.كما دعا الدولة إلى مزيد العناية بالشباب عبر وضع برامج إحاطة وتربية وتكوين وثقافة قصد توفير أكبر عدد ممكن من فرص العمل