تعد موارد صناديق الخزينة مداخيل تخصص لتمويل بعض العمليات المحددة في إطار المصلحة العمومية ولأهداف تنموية او اجتماعية وذات صلة بمصدر المداخيل وهي تهدف إلى تجسيم سياسة الدولة سواء في الميدان الاقتصادي أو الاجتماعي. على غرار صندوق التشغيل او صندوق تحسين المسكن لفائدة الأجراء او صندوق النهوض بالصادارات او صندوق مقومة التلوث.. وتتأتى هذه الموارد من أشخاص طبيعيين ومعنويين. في السنوات الأخيرة، ومع تفاقم عجز الميزانية، برزت ظاهرة جديدة تتمثل في لجوء الحكومات المتعاقبة إلى موارد صناديق الخزينة لتمويل جزء من عجز الميزانية او تحال فوائضها إلى ميزانية السنة الموالية حتى أصبح الاستثناء قاعدة على اعتبار أن عملية الاقتطاع من موارد الصناديق المتأتية من عائدات ضريبية توظف على المداخيل أصبحت روتينية وبشكل مسترسل منذ سنة 2013. خاصة أن صناديق الخزينة والصناديق الخاصة أصبحت تسجل فوائض مالية سنوية. في المقابل لا تتعدى نسبة نفقات جل الصناديق في المجالات المحدثة من اجلها (تشغيل، سكن اجتماعي، مساعدة الفلاحين، دعم الصناعيين..) ال28 بالمائة في حين تظل النسبة الباقية في شكل فوائض يتم اما اقتطاعها وصرفها في مجالات أخرى او تحول أرصدتها إلى ميزانيات السنوات الموالية. ألف مليون دينار سنويا بين 2016 و2018 تواصل اقتطاع فوائض مداخيل من الصناديق المذكورة بشكل سنوي خلال السنوات 2013 إلى 2016 على نفقاتها ونقلها إلى موارد العنوان الأول من ميزانية الدولة إذ بلغت الفوائض المقتطعة سنة 2014 ما يناهز 931 مليون دينار، لترتفع سنة 2015 إلى أكثر من مليار دينار، و1.27 مليار دينار بالنسبة للسنة المالية 2016، في حين ان قوانين المالية لسنتي 2017 و2018 تضمنت تقديرات لاقتطاع فوائض الصناديق على التوالي ب1.128 مليار دينار، و1.271 مليار دينار. وفقا لما ورد بتقرير دائرة المحاسبات بخصوص الرقابة على غلق ميزانية الدولة لسنة 2016 التي لاحظت أن تخصيص هذه المبالغ لتمويل نفقات العنوان الأول من ميزانية الدولة لا يتلاءم مع الأهداف التي من أجلها بعثت الصناديق المعنية. 29 صندوقا.. موارد قارة.. ونقص في شفافية التصرف يقدر عدد صناديق الخزينة التي يتم الاستعانة بأرصدتها المالية ب29 صندوقا تساهم في تمويل عدة انشطة ذات طابع اجتماعي او فلاحي او صناعي او سياحي على غرار صندوق تحسين السكن، صندوق النهوض بالمسكن لفائدة الأجراء، صندوق ضمان ضحايا حوادث المرور، صندوق الخدمة الوطنية، الصندوق العام للتعويض، صندوق النهوض بالصادرات، صندوق مقاومة التلوث، الحساب الوطني للتضامن الاجتماعي.. وتمول هذه الصناديق أساسا من مساهمات المهنيين والأجراء المنتفعين من تمويلاتها وأيضا من ميزانية الدولة.. ويحدد القانون الأساسي للميزانية لسنة 2004 مفهوم صناديق الخزينة وإطارها القانوني، ويقدر عددها الجملي ب29 صندوقا يضاف إليها صناديق غير قارة وظرفية تحدث بموجب قوانين مالية مثل صندوق المواطنة المحدث سنة 2011 الذي أوكلت إليه نفس المهام تقريبا لصندوق 26-26، وصندوق تعويض ضحايا الاستبداد المحدث بموجب قانون المالية لسنة 2014، وأخيرا صندوق مكافحة الإرهاب المحدث بموجب قانون المالية لسنة 2016.. وتموّل معظم هذه الصناديق تدخلات في قطاعات معيّنة وتوكل مهمة التصرّف فيها إلى وزارات او مؤسسات أو هياكل مختصة بمقتضى اتفاقيات تبرم مع وزير المالية. غير أن الإشكال القائم في شأنها وحسب شهادة عديد الخبراء المحاسبين تزايد عددها في ظل غياب خطة واضحة لترشيد إنفاق مواردها المالية وتوجيهها إلى مستحقيها خاصة أنها لا تخضع لإجراء التدقيق وتعوزها الشفافية في التصرف في مواردها المالية كما أنه نادرا ما نجد تقييما موضوعيا لأنشطتها.. تقدر جملة موارد صناديق الخزينة سنويا بمعدل جملي يفوق 800 مليون دينار سنويا، علما أن الصناديق تمول عن طريق موارد جبائية وموارد غير جبائية. وتمثل الموارد الجبائية تقريبا 80بالمائة من الموارد.. ولا يمكن إلغاء تلك الصناديق إلا بالكيفية التي أحدثت بها أي بموجب قانون المالية وذلك حسب ما ضبطه القانون الأساسي للميزانية لسنة 2004.. ستة حسابات تحقق 78 بالمائة من المداخيل وقالت دائرة المحاسبات في تقريرها حول غلق ميزانية الدولة لسنة 2016 ان الترخيص في خصم مبالغ مالية من متوفرات بعض الصناديق لفائدة العنوان الأول أو الثاني من الميزانية كان يجب التنصيص عليه ضمن فصول خاصة في قوانين المالية او قوانين غلق الميزانية. إذ ينص الفصل21 من القانون الأساسي للميزانية على أن تنقل فوائض صناديق الخزينة من سنة إلى أخرى ما لم يتقرر خلاف ذلك في قانون المالية او قانون غلق الميزانية. وبلغة الأرقام بلغت الموارد الحسابات الخاصة في الخزينة المحصلة سنة 2016 ما قدره 1826 مليون دينار، بزيادة عن التقديرات النهائية بنسبة190 بالمائة، وسجلت وموارد الصناديق ارتفاعا مقارنة ب2015 بنسبة 4.14 بالمائة، وشملت الزيادة خاصة الصندوق الوطني للتشغيل (67 م.د) وصندوق النهوض بالمسكن لفائدة الأجراء (22.8 م.د) وصندوق تنمية القدرة التنافسية الصناعية (11.7 م.د) وصندوق مقاومة التلوث (8.6 م.د) وصندوق النهوض بالتكوين والتدريب المهني (6.3 م.د) وصندوق الانتقال الطاقي (حوالي 6 م.د)، في حين تراجعت موارد بعض الصناديق الأخرى مثل صندوق التعاون بين الجماعات المحلية والصندوق الوطني للنهوض بالرياضة والشباب والصندوق العام للتعويض. من جملة 29 حسابا حققت ستة حسابات موارد بحوالي78 بالمائة من المداخيل المحصلة سنة 2016، وبلغت الفوائض المنقولة الى تصرف 2016 أكثر من 731مليون دينار مقابل أكثر من 845 مليون دينار في التصرف السابق، علما انه تم بموجب قانون المالية التكميلي اقتطاع اكثر من 1270 مليون دينار من الفوائض المنقولة لفائدة ميزانية الدولة لسنة 2016 مقابل تقديرات نهائية بقرابة 1240مليون دينار. شملت عمليات الاقتطاع21 حسابا خاصا في الخزينة وشملت أساسا الصندوق الوطني للتشغيل (324 مليون دينار) وصندوق النهوض بالمسكن لفائدة الأجراء (أكثر من 232 مليون دينار) وصندوق تنمية المواصلات وتكنولوجيا المعلومات والاتصال (131 مليون دينار) وصندوق النهوض بالتدريب والتكوين المهني (حوالي 97 م.د) والصندوق العام للتعويض (حوالي 84 م.د) وصندوق تنمية القدرة التنافسية الصناعية (أكثر من 81 م.د) وأسفر تصرف 2016 عن تسجيل فوائض جملية بقيمة اكثر من 1812 مليون دينار وذلك بسبب عدم تناسب النفقات المنجزة على هذه الحسابات والبالغة سنة 2016 ما قيمته أكثر من 745 مليون دينار أي حوالي 29 بالمائة من جملة مواردها البالغة حوالي 2558 مليون دينار. ولاحظت دائرة المحاسبات ان عمليات الاقتطاع التي شملت الحسابات التي حققت فوائض هامة خلال السنوات الأخيرة يعود إلى عدم توافق الموارد المخصصة لها قانونا مع تدخلاتها وجددت دعوتها إلى العمل على الملائمة بين موارد هذه الحسابات ونفقاتها بما يجنب تراكم الفوائض المنقولة سنويا ويحول دون توظيفها في أغراض تنموية.