في موقف مفاجئ وفِي الوقت الذي انتظر فيه ذهابه إلى البرلمان وبعد نحو 24 ساعة من التقائه برئيس الجمهورية قدم أمس رئيس هيئة الانتخابات محمد التليلي المنصري استقالته من مهامه في خطوة شبيهة بتلك التي عجلت برحيل الرئيس السابق للهيئة محمد شفيق صرصار. خطوة الاستقالة كان يمكن ان تكون عادية لو كانت في ظروف غير التي تعيشها بلادنا الآن، وضع اتسم بالضبابية وعدم وضوح الرؤية أيضا في ظل الحديث عن سعي رئاسي لتأجيل الانتخابات المقررة ل2019 وفقا لما ذكرته مجلة «جون أفريك» في عدد سابق وهو ما قدم انطباعا قويا لدى المتابعين بدفع المنصري إلى الاستقالة اثر لقائه برئيس الجمهورية. بيد أن هذا الرأي وجد ما يبدده ضمنيا حيث ارجع المنصري أسباب تقديمه لاستقالته «أنها تمت بعد التشاور والاتفاق مع أعضاء الهيئة»، إلى صعوبة العمل صلب مجلس الهيئة بسبب تعطل انعقاد جلساته، ونظرا لحجم العمل الكبير الذي يتطلب المصادقة صلب مجلس الهيئة ومنه تقرير النشاط وإعداد ميزانية الهيئة لسنة 2019 وإعداد مخطط عملياتي للانتخابات التشريعية والرئاسية لسنة 2019 فضلا عن الانتدابات في الخطط القارة للإدارة وتسوية وضعية جميع الموظفين مركزيا وجهويا. كما اعتبر أن من بين أسباب استقالته كذلك، عدم وجود بوادر حلول في الأفق خاصة بعد تأجيل البرلمان لجلسة طلب إعفائه والتي قال إنها جلسة « لن تسفر عن حل مهما كانت نتيجة القرار». وأوضح المنصري في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء أنه «تم الاتفاق بين أعضاء مجلس الهيئة على أن يواصل مهامه رئيسا للهيئة إلى حين سد الشغور في هذا المنصب من قبل البرلمان، وعلى ترشيح عضو أو عضوين على أقصى تقدير من بين أعضاء مجلس الهيئة لهذا المنصب وذلك تفاديا لتعطيل أعمال هيئة الانتخابات». إخلالات واتهامات وفِي واقع الأمر فان علاقة المنصري ببقية أعضاء الهيئة لم تكن على ما يرام بعد أن أقدم 8 أعضاء من الهيئة بتاريخ 28 ماي على إعفاء الرئيس من مهامه ليحملوا مطلبهم هذا إلى مجلس نواب الشعب للنظر فيه والتصويت عن طلب الإعفاء إما بالقبول أو الرفض وبرر أعضاء الهيئة موقفهم هذا بما اعتبروه «إخلالات» أثناء الانتخابات البلدية التي عرفتها بلادنا يوم 6 ماي المنقضي. وفِي محاولة منه لتبرئة نفسه من تهم الإخلالات قدم المنصري تقريرا مطولا مرفقا بعدد من الملاحق والوثائق التي تثبت عدم صحة تقرير أعضاء مجلس الهيئة الثمانية الذين طالبوا بإعفائه من مهامه وقال في هذا السياق إنه «مستعد للدفاع عن موقفه وأنه ليس له أي حرج في الذهاب إلى البرلمان»، داعيا أعضاء مجلس الهيئة إلى «وضع مصلحة البلاد ومصلحة الهيئة فوق كل اعتبار» وأن الاتهامات الواردة في تقرير مجلس الهيئة تجاهه، تتعلق بالتسيير المالي والإداري للهيئة وبمسار الانتخابات، معتبرا أن «كافة ما تضمنه التقرير، هي ادعاءات واهية سيفندها أثناء الجلسة العامة بالبرلمان والمخصصة للنظر في طلب إعفائه». وبعد تشبثه بالذهاب إلى مجلس تواب الشعب الذي قرر يوم أمس الخميس كموعد لتحديد جلسة العامة للنظر في طلب إعفاء المنصري بادر هذا الأخير بالاستقالة ساعات قليلة قبل اجتماع مكتب المجلس وبرر ذلك بقوله «إن مصلحة البلاد والإعداد الجيّد للمحطات الانتخابية القادمة يتطلبان مزيدا من التضحية والتنازل والتحلي بالمسؤولية ونكران الذات، وانه لا يريد أن يكون عنصر إرباك أو توتر صلب مجلس هيئة الانتخابات»، حسب نص الاستقالة. ولَم يكن انتخاب المنصري على رأس الهيئة المستقلة للانتخابات بالأمر السهل بل جاء بعد مخاض عسير حيث فشل مجلس نواب الشعب مرتين في انتخاب رئيس جديد للهيئة، لعدم حصول أي مرشح على الأغلبية وغياب التوافق بين الأحزاب لدعم مرشح واحد ليتحصل المنصري على 115 صوتا، فيما تحصلت منافسته نجلاء براهم على 49 صوتا وأنيس الجربوعي على 5 أصوات. استقالة إيجابية وفي قراءة متفائلة لاستقالة المنصري قال الأمين العام لحزب البناء الوطني رياض الشعيبي «إن استقالة رئيس الهيئة يمكن ان تسرع في إصلاح الأوضاع الداخلية لمجلس الهيئة إلا أني منشغل كثيرا حول استمرار المسار الانتخابي وتدخل الهيئات السياسية فيه فمن غير المقبول التفكير في تعطيل المسار الانتخابي من هذا الطرف أو ذاك ويجب احترام المواعيد الانتخابية لان ذلك يعتبر جزءا من العملية الديمقراطية». وأضاف الشعيبي في تصريح ل»الصباح» ان الطريقة المختلة التي ينتخب من خلالها أعضاء هيئة الانتخابات ورئيسها داخل المجلس تمس من استقلاليتهم وحيادهم. لذلك نرى هذه الهيئة تترنح أحيانا تحت وطأة التدخل السياسي في عملها ونعتقد ان استقالة رئيس الهيئة ايجابية ومساعدة على التسريع بانتخاب رئيس جديد من اجل توفير الوقت للاستعداد للاستحقاقات القادمة في 2019. ويذكر انه بتاريخ 9 ماي 2017 قدم رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات السابق شفيق صرصار، استقالته بصفة رسمية من مجلس الهيئة، رفقة كل من العضوين لمياء الزرقوني ومراد بن مولى، خلال اجتماع أعضاء مجلسها، بمقر الهيئة بالبحيرة. وقال صرصار حينها «إن قرار الاستقالة الذي اتخذه يأتي صونا للهيئة الانتخابية، والتزاما بالقسم الذي أداه وأعضاؤها، للقيام بمهامهم بكل تفان وصدق وإخلاص، وللعمل على ضمان انتخابات حرة ونزيهة وأداء واجباتهم باستقلالية وحياد واحترام الدستور والقانون». كما يذكر أن المنصري كان عضوا في الهيئة الفرعية للانتخابات بسيدي بوزيد في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي سنة 2011، مكلفا بالشؤون القانونية. وكذلك خلال الانتخابات التشريعية والرئاسية لسنة 2014 ومنسقا جهويا لمراقبة أنشطة الحملة الانتخابية، وهو يشغل خطة عضو بمجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات منذ 10 فيفري 2017 عن صنف المحامين. وإذا ما كان أعضاء الهيئة قد اتفقوا على إبعاد المنصري فهل سينجحون في الاتفاق والتوافق حول شخص معين والذهاب إلى البرلمان موحدين؟