هل أضحت النخبة اليوم من التلاميذ عاجزة عن «التفوق» في مادّة الرياضيات؟.. سٌؤال يطرح بإلحاح اليوم بعد ان «تفوقت» هذه المادة على تلاميذ يفترض أنهم من النخبة، فالنتائج «المفزعة» التي تحصل عليها عدد كبير من «النجباء» - وهو ما كشفته مؤخرا نتائج مناظرة الدخول إلى المعاهد النموذجية أو ما يعرف «بالسيزيام»- تستوجب تشخيصا جديا للأسباب والدوافع التي أفضت إلى مثل هذه النتائج. فمن المفارقات اليوم أو من المٌضحكات المٌبكيات على حد تشخيص القائمين على الشأن التربوي أن لا يتحصل تلميذ يفترض انه مصنف ضمن النخبة على المعدل في مادة الرياضيات في مناظرة تعرف بمناظرة الدخول إلى المعاهد النموذجية ليستقر العدد المسند إليه على 4 و6 من 20 والحال أن تحصيله الدراسي خلال السنة الدراسية في مادة الرياضيات لا يقلّ عن 17 من 20 . من هذا المنطلق أبدى عدد كبير من الأولياء تذمّرا واستياء من النتائج الكارثية التي تحصل عليها أبناؤهم حتى أن البعض منهم وجد في الصفحات الاجتماعية ملاذا له ليصب فيها جام غضبه، معتبرين في السياق ذاته ان الامتحان المقدم يتجاوز بكثير قدرات التلميذ المتوسط لا سيما التمرين المتعلق بحل المسالة الحسابية. نتائج كارثية تشكيّات الأولياء حول الأعداد المسندة إلى أبنائهم في مادة الرياضيات يؤكدها رئيس جمعية الأولياء والتلاميذ رضا الزّهروني الذي أورد في تصريح ل»الصّباح» أن هذه النتائج الكارثية تعتبر نتيجة طبيعية لما حصل طيلة هذه السنة الدراسية من تجاذبات وإضرابات مشيرا إلى أنها تٌمثّل انعكاسا لطبيعة المسار الدراسي. وفسر في هذا الإطار أن المستوى الدراسي يتراجع من سنة إلى أخرى وهو ما يفضي إلى القول بان المدرسة العمومية المجانية لا مجال لها في الواقع التونسي قائلا: «الدراسة أضحت حكرا على من يمتلك الإمكانيات المالية لا غير». أما فيما يتعلق بالضعف المسجل في مادة الرياضيات لدى النخبة أورد المتحدث أن مرد ذلك عدم التركيز على أهمية هذه المادة خلال السنة الدراسية التي تستوجب التركيز على بعض المفاهيم على غرار الحساب الذهني مضيفا في الإطار نفسه أن مادة الرياضيات تقتضي التمكن من اللغة ومن الفكر الرياضي المبني على المنطق والتحليل. من جهة أخرى أورد الزهروني انه إزاء ورقة الامتحان اتضحت القدرات الفعلية للتلاميذ بعيدا عن آلية الدراسة الموازية في إشارة منه إلى تكالب الأولياء وتهافتهم على الدروس الخصوصية التي تعتبر مغالطة للمستوى الفعلي للتلميذ على حد قوله. التذمر الحاصل في صفوف الأولياء والتلاميذ فضلا عن التشكيك في امتحان الرياضيات الذي اعتبره شق كبير من الأولياء يتجاوز قدرات التلميذ العادي، نقلته «الصباح» إلى مصدر مسؤول بوزارة التربية الذي فند الأمر موضحا أن هناك لجنة تضم عددا من المتفقدين يشرفون على اختيار المواضيع طبقا للبرنامج الدراسي مشددا على أن اختبار الرياضيات بالنسبة لمناظرة السيزيام كان في مستوى التلميذ المتوسط. فتح تحقيق هذه الظاهرة -التي تتعلق بالضعف المسجل في صفوف التلاميذ في مادة الرياضيات - لا يعتبرها القائمون على المجال التربوي من الإطارات التربوية بالجديدة لكن أن تطال أنجب النجباء فان الأمر يستوجب على حد قولهم «فتح تحقيق» للوقوف على الأسباب الرئيسية لهذه المفارقة. من هذا المنطلق وجّه كثيرون أصابع «الاتهام» إلى ما وصفوه «بالجيل الجديد» من المدرسين في مادة الرياضيات. إذ يعتبر عدد كبير من الأولياء والتلاميذ كما المهتمين بالشأن التربوي أن بعض الإطارات التربوية تلتجئ إلى اعتماد مواضيع في مادة الرياضيات في «المتناول» حتى لا تعجز أثناء الدرس على حد تأكيدهم. في تفاعله مع الأمر يرى الخبير في النظم التربوية ورئيس الجمعية الوطنية للائتلاف المدني لإصلاح المنظومة التربوية محمد بن فاطمة في تصريح ل»الصباح» أن مستوى التلاميذ الذين يعرفون بالنخبة في المنظومة التربوية التونسية متردّ بالنظر إلى تدهور مستوى المنظومة التربوية برمتها موضحا أن الائتلاف كان قد نبه في وقت سابق من خلال الدراسات التي أنجزها إلى المسألة «فالماكينة» من وجهة نظره تضم أكثر من عطب. وأضاف بن فاطمة أن ما حصل مع النخبة يعتبر فعلا مفارقة تعود بالأساس إلى ضعف المنظومة التربوية وهناتها الكثيرة. وارجع المتحدث هذا الضعف إلى غياب المجلس الأعلى للتربية ومعهد وطني لتقييم المنظومة التربوية كما هو معمول به في عدة دول عربية. ليخلص المتحدث إلى القول بأنه لا يوجد قرار سياسي يفرض الإصلاح التربوي بطريقة علمية متطرقا في الإطار نفسه إلى وظيفة التفقد التي وصفها «بالمشكل الكبير». وتساءل في هذا الصدد: «لدينا أكثر من 1000 متفقد تربوي: لماذا لم يتطرقوا إلى الضعف المسجل.» في هذا الخضم وبالتّوازي مع الضعف المسجل في مادة الرياضيات الذي كشفته مناظرة «السيزيام» جدير بالذكر أن هذه المحطة التقييمية قد كشفت أيضا عن ضعف في بقية المواد العلمية على غرار مادة الإيقاظ العلمي. كما أماطت اللثام عن مسألة تضخيم المعدلات بما يدعو إلى ضرورة تشخيص الأسباب والدوافع التي أفضت إلى مثل هذه النتائج لا سيما أن الأمر يتعلق بالنخبة من التلاميذ فضلا عن ضرورة التعجيل بمسالة الإصلاح التربوي التي باتت اليوم ضرورة ملحة.