بعد أن خال معظم التونسيين أن حقبة الإرهاب ولّت دون رجعة خاصة في ظل النجاحات الأمنية المسجلة منذ مدة لكن عملية عين سلطان بولاية جندوبة التي راح ضحيتها 6 أعوان من الحرس الوطني تعيد خلط جميع الأوراق في علاقة بالوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي تمّر به البلاد. ويبدو أن عملية غار الدماء هي رسالة واضحة المضمون وردة فعل من العناصر الإرهابية عن حالة التضييق التي يعيشونها وقد تمت بعد رصد محكم مثلما جاء في بيان كتيبة عقبة ابن نافع أمس الاثنين هذا التنظيم الإرهابي الذي تبنى الهجوم الذي تعرضت له دورية للحرس الوطني في منطقة عين سلطان الحدودية مع الجزائر والتي أسفرت عن استشهاد 6 امنين وجرح ثلاث آخرين. الفصل الأول من عملية عين سلطان الغادرة كان في علاقة بالمعارك السياسية التي تعاني منها البلاد منذ أشهر في علاقة بأزمة الحكم والخلافات بين الأحزاب وطريقة التسويق الإعلامي للفشل الحكومي حيث تنادي عديد المنظمات والأحزاب المعارضة وحتى الحاكمة منها الى تغيير الحكومة التي تم تحميلها المسؤولية في ما جد أول أمس. الإدانة وتحميل المسؤولية أول من أدان العملية الاتحاد العام التونسي للشغل الذي قال في بيانه «مرّة أخرى تضرب العصابات الإرهابية بغدر ودموية، في وقت حقّقت فيه المؤسّستان العسكرية والأمنية انتصارات هامّة ضدّ الإرهاب، وتأتي هذه الجريمة الإرهابية في ظرف تفاقم فيه تأزّم الوضع السياسي وعمّ الشلل البلاد وسادت حالة من الإرباك والتشكيك والإشاعات ضدّ الأجهزة الأمنية ممّا خلق حالة من الارتخاء وتشتيت الجهود والقوى استغلّتها العصابات الإرهابية لتعميق الأزمة والسعي إلى ضرب الموسم السياحي ومحاولة إحباط معنويات الأمنيين والعسكريين وإلهاء التونسيين عن قضاياهم الاجتماعية والاقتصادية الحارقة». كما طالبت المنظمة الشغيلة بالإسراع في «حلّ الأزمة السياسة وتغيير الحكومة وتعيين رئيس يشكّل فريقا كفئا قادرًا على مجابهة المشاكل وإيجاد الحلول الكفيلة بالخروج من الأزمة بكافّة أبعادها ومنها الأمنية». الإرهاب.. الإقالة .. والتعيينات أما الفصل الثاني الذي طرح عقب تنفيذ العملية كان في علاقة بالتعيينات الأخيرة صلب وزارة الداخلية بعد إقالة لطفي براهم وزير الداخلية الأسبق وتعيين وزير العدل غازي الجريبي وزير داخلية بالنيابة وهو ما اعتبره العديد من السياسيين فيه إضعاف للوزارة وان قرار الإعفاء هو قرار سياسي تحكمه اعتبارات سياسية ضيقة. وكانت وزارة الداخلية شهدت إجراء حركة نقل لسدّ الشغورات في إدارات أقاليم الأمن والحرس الوطنيين (إدارة إقليم الأمن الوطني بتونس - مدير إدارة إقليم الأمن الوطني ببنزرت- مدير إدارة إقليم الأمن الوطني بقرطاج - مدير إدارة إقليم الأمن الوطني بالقصرين -مدير إدارة إقليم الحرس الوطني بسليانة- مدير إدارة إقليم الحرس الوطني بالقصرين). كما تم تعيين رؤساء مناطق الأمن الوطني بكل من منطقة الأمن الوطني باردو ومنطقة الأمن الوطني بالحمامات ومنطقة الأمن الوطني بقرقنة ومنطقة الأمن الوطني بمقرين. وكان رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب، مختار بن نصر، قال في تصريح للشقيقة «الصباح نيوز» ان العملية الإرهابية التي جدت أول أمس بجندوبة وراح ضحيتها 6 من أبطال الحرس الوطني جاءت بعد فترة طويلة من الاستقرار والنجاحات التي تحققت ضد المجموعات الإرهابية. كما دعا بن نصر، إلى ضرورة التحلي أولا بالوحدة الوطنية والابتعاد عن التجاذبات السياسية وعدم الزج بالوحدات الأمنية فيها لان ذلك يمكن ان يؤثر على أدائها. وفي تعليقة حول علاقة العملة الإرهابية بإقالة وزير الداخلية السابق لطفي ابراهم وإجراء عدد من التغييرات في سلك الحرس الوطني، أوضح رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب، ان الموضوع لا علاقة له بنقلة وزير أو نقلة إطارات لان العناصر الأمنية والعسكرية تشتغل بناء على مرجعية الانضباط وعلى مخططات العمل الميداني وتغيير قيادات او وزير لا يمكنه ان يغير شيئا في الموضوع، داعيا إلى «عدم الانسياق وراء التجاذبات التي لن تدفع البلاد إلا نحو الفوضى وإدخال البلبلة..». ثلاث دلالات لعملية «عين سلطان» علية العلاني المؤرخ والباحث في الجماعات المتشددة قال ل»الصباح» ان لعملية عين سلطان الإرهابية ثلاث دلالات خاصة وأنها أتت بعد سنتين من الهدوء لتؤكد تواصل التهديدات الإرهابية، مضيفة «هذه الحادثة تؤكد على ضرورة تعديل الخطة الاستخباراتية وتوفير الإمكانيات اللوجستية الأكثر نجاعة كالسيارات المصفحة التي تحتوي في سقفها على نوع من الرشاشات التي تستطع ان تضرب عن بعد». واعتبر العلاني ان هذه الحاثة تهدف لضرب الموسم السياحي في ذروته لان الإرهابيين على اطلاع جيد بالحركة الاقتصادية وأرادوا من خلال العملية الإرهابية الأخيرة ضرب القطاع الذي بدا يسترجع عافيته. وفي سياق متصل قال المؤرخ والباحث في الجماعات المتشددة ان هذه العملية تندرج أيضا في إطار ردود الفعل على التصفيات المؤلمة التي وجهها الجيش والحرس لكتيبة عقبة ابن نافع بقتل أميريها الأول والثاني وتعقب ابرز قياداتها. وبالنسبة لمواقف الأحزاب في تعاطيها مع الحدث قال العلاني «هناك من يرى انها جاءت اثر التغييرات في سلك الحرس الوطني مؤخرا معتبرين ان هذه الحركة الجديدة لم تطبخ بشكل جيد وهناك أحزاب تعتبر ان عملية الأمس تندرج في إطار رد فعل الجماعات الإرهابية بعد النجاحات الأمنية الكبيرة التي حققها الحرس الوطني والجيش بعد العمليات الاستباقية الناجحة الذي تضرر منها هذا التنظيم الإرهابي». وذكر العلاني بأنه بين 2012 و2018 وقعت 9 عمليات إرهابية خلفت 33 شهيدا من الحرس الوطني وهذا دليل على حرفية السلك لأنه في بلدان أخرى يمكن ان تكون الحصيلة أثقل بكثير لكن ما حصل من تجاذبات سياسية في الفترة الأخيرة يؤكد على ضرورة تحييد وزارات السيادة وخاصة الوزارات الأمنية والعسكرية والحقوقية عن كل تجاذبات وجدل سياسي عقيم ولا بد ان نؤكد انه لو لا حرفية وأهمية وزارتي الداخلية والدفاع ربما تكون البلاد قد دخلت في نفق مظلم. كما دعا العلاني إلى الكف عن التجريح في هذه الوزارات الكبرى مع الأخذ بعين الاعتبار ان الإرهاب ليس ظاهرة محلية بل إقليمية ودولية واسهم تونس في الخارج لا تزال مشعة والرجاء الوقوف لهذا الوطن لمنع كل ما يسيء إلى استرجاع تونس لمكانتها الإقليمية والدولية. من جانبها حذّرت وزارة الداخلية في بيان لها من تداول معلومات من شأنها عرقلة الجهود المبذولة من قبل الوحدات الأمنية والعسكرية في ملاحقة العناصر المتشددة، وإحباط مخططاتها. ودعت الوزارة «الطبقة السياسية، والمنابر الإعلامية، إلى تجنيب المؤسسة الأمنية أي تجاذب من شأنه أن يعوق اضطلاعها بالدور الدقيق، المناط بعهدتها على أكمل وجه، وعدم إقحامها في أي نوع من الصراعات التي ستنعكس سلبيًا على أمن واستقرار البلاد». وبعيدا عن الغرف المغلقة التي تحاول من خلالها مختلف الجهات سواء حقوقية أو أمنية أو سياسية معالجة ظاهرة الارهاب بات من المهم وضع إستراتيجية وطنية تشرف عليها جبهة داخلية موحدة تقف صدا منيعا أما خطر التطرف. ◗ جهاد الكلبوسي رئيس الحكومة: «سنثأر لأبنائنا في أقرب وقت» قال رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، في تصريح إعلامي إثر اجتماع أمني عقد صباح امس، بقصر الحكومة بالقصبة: «إن أهداف الإرهابيين هي ضرب المكاسب الإقتصادية وحقوق المرأة والحريات». وأضاف رئيس الحكومة في هذا التصريح الذي أدلى به عقب الإجتماع الأمني المنعقد في إطار متابعة العمليات الجارية منذ أمس الأحد، لتعقب مجموعة إرهابية في المناطق الجبلية الحدودية كانت نفذت العملية الغادرة التي استشهد خلالها 6 عناصر من وحدات الحرس الوطني: «الحرب على الإرهاب طويلة المدى، ربحنا فيها معارك مهمّة، وكسبنا جولات كبيرة، ولكن بعض المجموعات اليائسة والمعزولة قامت بهذه العملية الغادرة، ولن يهدأ لنا بال حتى نقضي نهائيا على الإرهابيين وكل من يحاول ضرب أمن واستقرار البلاد». وبعد أن ترحّم على «أرواح شهداء الوطن، من بواسل الحرس الوطني، الذين ضحوا بحياتهم من أجل تونس وقدّم تعازيه إلى أسرهم»، أكّد الشاهد أن «الدولة والحكومة ستقفان دائما الى جانبهم وسنثأر لهؤلاء الابطال». واختتم تصريحه بالقول: «أريد أن أطمئن التونسيين أن الوضع الأمني تحت السيطرة وتونس ستنتصر في الحرب على الإرهاب بفضل جاهزية قوات الأمن واستعدادهم للدفاع عن حرمة واستقرار البلد وبفضل وحدة الشعب التونسي». منظمات تدعو إلى النأي بالمؤسسة الأمنية عن التجاذبات السياسية أدانت العديد من المنظمات الوطنية العملية الارهابية التي جدت صباح أول أمس بمنطقة عين سلطان ( ولاية جندوبة) وادت الى استشهاد 6 عناصر من قوات الحرس الوطني وعدد من الجرحى كما حملت الإئتلاف الحاكم المسؤولية داعية إلى الوحدة الوطنية والنأي بالمؤسسة الأمنية عن التجاذبات السياسية. حيث أدان كل من الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري والنقابة التونسية للفلاحين وشدد إتحاد الفلاحين في بيان منفصل «على ان الوحدة الوطنية ومعاضدة جهود المؤسسة الامنية والعسكرية تبقي صمام الامان الحقيقي للانتصار على الارهاب و اجتثاثه من جذوره» في حين دعت نقابة الفلاحين الى « الدفاع عن الوطن ودعم قيم التعايش السلمي». كما دعت الهيئة الوطنية للمحامين الحكومة إلى فتح بحث جدّي في ملابسات وظروف العملية الإرهابية وطالبت في بيان لها أمس القوى الحيّة ومكونات المجتمع المدني وكافة التونسيين إلى الالتفاف حول الوطن ومواجهة الإرهاب عدو التجربة الديمقراطية التونسيّة. الوحدة الوطنية السلاح الوحيد واعتبرت الهيئة ان الوحدة الوطنية هي السلاح الوحيد للتصدي لهذه الآفة الغريبة عن المجتمع التونسي ونبذ كل خطاب للتفرقة والحطّ من المعنويات مشيرة بأنّ التونسيين اختاروا بوضوح مواجهة الإرهاب على الاستكانة والخنوع دون تراجع مهما كان حجم الإبتزاز. ودعا اتحاد عمال تونس إلى النأي بالمؤسسة الأمنية عن التجاذبات والمزايدات السياسية وإلى الحفاظ على وحدة الصف في مواجهة الارهاب، وطالب في بيان أمس، بالتمسك بالوحدة الوطنية والولاء للوطن في مواجهة الارهاب، معبرا عن تضامنه مع عائلات شهداء وجرحى هذه العملية الارهابية ومع كافة أبناء المؤسستين الأمنية والعسكرية في الحرب على الارهاب. كما دعا اتحاد عمال تونس التونسيين إلى وحدة الصف والتكاتف مع المؤسستين الأمنية والعكسرية، مؤكدا ضرورة تغليب مصلحة الوطن والابتعاد عما أسماه ب»المغالطات الرامية الى تصفية الحسابات الحزبية». ووصف اتحاد عمال تونس هذه العملية الارهابية ب»الغادرة والمصاب الجلل»، معتبرا، أنها جاءت في سياق ححقت فيه تونس انتصارات باهرة على الارهاب والارهابيين. تحميل الإئتلاف الحاكم المسؤولية من جهته طالب ائتلاف «صمود» ، الأحزاب الحاكمة، بالنأي بالمؤسستين الأمنية والعسكرية، عن «التجاذبات السياسية التي تربك عملها وتضعف يقظة الأمنيين وتحطّ من معنوياتهم، وذلك على إثر العمليّة الإرهابيّة التي استهدفت أول أمس الأحد دوريّة للحرس الوطني بمنطقة عين سلطانة من ولاية جندوبة وأدت إلى استشهاد 6 من أفرادها وإصابة ثلاثة آخرين. وحمّل الإئتلاف في بيان له أمس ، هذه الأحزاب، «مسؤولية تدهور الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية والذي من شأنه أن يخلق أرضية سانحة لرجوع وإستشراء ظاهرة الإرهاب، بعد استقرار أمني تجاوز السنتين». ودعا البيان كل القوى الوطنية، من منظمات وأحزاب، إلى «الوعي بخطورة وهشاشة الوضع السياسي الحالي وأن تدفع جديّا لإيجاد الحلول العاجلة لإخراج البلاد من هذه الأزمة الخانقة». إدانة دولية للعملية الإرهابية تضامنا مع تونس ضد الإرهاب الغادر أدان عدد من الدول والمنظمات العربية والدولية العملية الإرهابية الأخيرة في جندوبة. حيث أدانت جامعة الدول العربية الهجوم الإرهابي الذي استهدف دورية للحرس الوطني بمنطقة عين سلطان وجدد الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط ، في بيان أصدره أمس وتداولته بعض وكالات الأنباء، تأكيده على «دعم الجامعة لتونس وتضامنها الكامل معها، في كل جهد يهدف إلى القضاء على آفة الإرهاب الخطيرة». كما شدد على أن «مثل هذه الأعمال الإجرامية، لن تثني تونس، قيادة وشعباً، عن المضي قدماً في طريق إنهاء هذه الجرائم التي تشكل تهديداً لأمن واستقرار المجتمعات العربية». كما أدانت الأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب، «بكل حزم»، العملية الإرهابية «الجبانة» التي جدّت يوم الأحد، بمنطقة عين سلطان، من ولاية جندوبة، على الشريط الحدودي التونسيالجزائري وخلفت 6 ضحايا من قوات الحرس الوطني. وقالت الأمانة العامة في بيان لها امس، إنها «تلقت باستنكار شديد هذه العملية»، معربة عن يقينها من أن الشعب التونسي وقوات أمنه الباسلة، «سيزدادان تضامنا وتلاحما في مواجهة الإرهاب والإجرام، لتوطيد مناخ الأمن والإستقرار وتعزيز التنمية والإزدهار في شتى المجالات»، حسب نص البيان. من جهته أدان وزير الداخلية الجزائري نور الدين بدوي، في برقية وجهها امس إلى نظيره التونسي، الإعتداء الإرهابي واستنكر بدوي، في هذه البرقية التي نشرتها وزارة الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة الترابية الجزائريّة اليوم الإثنين، «هذا الفعل الدنيء الذي يدلّ على جبن مرتكبيه»، معربا عن دعم الجزائر المطلق لتونس وتعاونها اللامتناهي «من أجل إستئصال بقايا هذا الورم الخبيث الذي يريد العبث باستقرار وأمن المنطقة». وأدانت الولاياتالمتحدةالأمريكية بشدّة، الهجوم الإرهابي وأكّدت في بيان نشرته سفارتها بتونس، أمس ، وقوفها إلى جانب تونس كصديق وحليف، موجّهة تحيّة إجلال وتقدير لكلّ الأمنيّين التونسيين الذين يضحّون بأنفسهم لحماية وطنهم.