في استطلاع لآراء الأطراف القانونية في الموضوع واتصالنا بكل من القاضي والناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائية بالمنستير فريد بن جحا والأستاذ ورئيس الفرع الجهوي للمحامين بجندوبة فيصل النقاطي فإنها كانت تصب في خانة واحدة وهي الاستبشار بهذا المشروع لما تضمنه من إصلاحات وتنقيحات اعتبرت «ثورية» وتهدف الى السعي الى الإصلاح اكثر من الانتقام من خلال تسليط عقوبات ردعية، واعتبار ذات المشروع خطوة هامة وإيجابية نحو التقليص والحد من ارتفاع الجريمة ببلادنا. وقد اعتبر المساعد الأول لوكيل الجمهورية والناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائية بالمنستير فريد بن جحا في اتصال مع «الصباح» أن تنقيح المجلة الجزائية بعد مضي أكثر من 100 سنة على صدورها يعد أمرا مهما وممتازا ذلك انه يواكب التطور الحاصل سواء على مستوى الجريمة أو بخصوص من اقترفها (المجرم)، مشددا على أن هذا التنقيح يعد «ثوريا» لمواكبته تطور احدث نظريات علوم الاجرام لكن في صورة عدم وجود الآليات الكفيلة بمواكبة تطبيقه فانه سيبقى حبرا على ورق. وأضاف بن جحا أن علوم الاجرام تطور حيث كانت المدارس التقليدية تعتبر أن المجرم عبارة عن «فيروس» خطير يجب اقتلاعه من المجتمع ورغم أن العقوبات حينها كانت تتميز بالصرامة والشدة الا انها لم تقض او تقلص من معدل الجريمة، ورويدا رويدا تطورت النظرة فانطلقت المدارس الجديدة في البحث عن اصلاح الشخص من خلال استنباط عقوبات جديدة تسعى للإصلاح اكثر من الانتقام وصارت السياسات الجزائية تستند على تلك النظرة وتم استنباط عقوبات بديلة لإدماج الشخص في المجتمع خاصة في ما يتعلق بالجرائم غير الخطيرة خاصة أن التجربة اثبتت ان العقوبات القصيرة ليس لها مردود ايجابي لان الإصلاح يستوجب مدة طويلة. وأفاد في ذات السياق أن المشرّع استنبط عقوبات جديدة مع القرن 21 كالعمل للمصلحة العامة والتعويض الجزائي التي اعتبرت حينها عقوبات «ثورية» بالنظر للمنطقة ووصفت بالتطور التشريعي الهام الا انها ظلت غير مفعّلة ربما لعدم اقتناع الأشخاص بها من جهة وعدم توفر اليات لتطبيقها من جهة ثانية، الى ان انكبت اللجنة التي تم تكليفها بمراجعة وتنقيح المجلة الجزائية سنة 2014 وانطلقت في البحث عن العراقيل لتطوير المجلة الجزائية التي لاحظت اكتظاظ السجون وان الدوائر الجنائية صارت تنظر في جرائم كلاسيكية كالسرقات الموصوفة ولرد الاعتبار لها فان تلك الدوائر ووفق التنقيح الجديد لن تتعهد مستقبلا الا بالجرائم الأكثر خطورة والأكثر وقعا على المجتمع على غرار القتل والاغتصاب والجرائم الإرهابية وذلك لإعطاء أكثر نجاعة لعملها. كذلك نفس الامر بالنسب للجرائم البسيطة فلن يقع الحكم بالسجن الا في العقوبات التي تكون أكثر من 6 أشهر سجنا ما يعني انه في المخالفات والجنح سيقع التركيز على العقوبات وبالخطية المالية و»الخطية اليومية» وعلى العقوبات بالعمل لفائدة المصلحة العامة والتعويض الجزائي والابتعاد أكثر ما يمكن عن العقوبات السّالبة للحرية التي ثبت وان ليس لها أي مردودية. وبخصوص تقييمه للتّنقيحات التي تضمنها المشروع أوضح بن جحا انها تطورات تواكب القوانين المقارنة اذ أنه أصبح بإمكان قاضي تنفيذ العقوبات مراقبة المحكوم بالسراح الشرطي وبإمكانه تحديد ورسم حدود مكانيّة له لا يجب عليه ان يتجاوزها كبديل للإيقاف، وهنا طرح مسالة هل ان الآليات الكفيلة بالقيام بهذه المهمة موجودة أم لا على اعتبار ان توفير الاليات هو من سيضمن تطبيق النصوص القانونية. وبيّن بن جحا أنه كان اقترح في وقت سابق البعض من بدائل الإيقاف خلافا لتلك التي يمنحها قاضي التحقيق على غرار الافراج بضمان مالي أو تحجير السفر حيث كان طالب بتمكين النيابة العمومية باعتبارها اول جهاز يراقب الحريات من بدائل إيقاف جديدة (بخلاف البدائل الحالية التي تمتلكها والمتمثلة في تحجير السفر لمدة مؤقتة او اجراء الصلح بالوساطة) تفعيل العقوبة البديلة بين محدثنا أن النيابة العمومية بالمنستير انطلقت في تفعيل عقوبة بديلة تتعلق بالضمان المالي حيث انه في صورة ارتكاب الشخص لجريمة ليست خطيرة بالإمكان الافراج عنه بضمان مالي وهي الية غير متوفرة الا في عمل قاضي التحقيق وطالب في هذا السياق بتوفيرها وادراجها لدى النيابة العمومية وفق نص قانوني كبديل للإيقاف. هذا المقترح اعتبر بن جحا أنه يتضمن عديد الفوائد من بينها تجنيب الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم بسيطة وزلت بهم القدم لأول مرة في السجن وكذلك التقليص من الاكتظاظ داخل السجون والتخفيف من الأعباء المالية لخزينة الدولة في الانفاق على المساجين والمحافظة على ادماجهم في المجتمع ذلك أن للردع المالي في كثير من الأحيان وقع اكثر من الردع البدني. وطالب بن جحا بتفعيل دور «قضاة الحريات» اللذين ينظرون في إيقاف الشخص او الافراج عنه مطالبا بان تكون التركيبة مجلسية ضمانا اكثر لهؤلاء الأشخاص قبل اصدار بطاقة إيداع بالسجن ضدهم. من جانبه أوضح الاستاذ فيصل النقاطي المحامي أن مشروع القانون بني على صياغة اجتهادات فقه قضائية تونسية وغير تونسية، ومن خلال تصفح المشروع لاحظ وجود نية وإرادة في ملاءمة مشروع المجلة الجزائية الجديدة للدستور والمعاهدات الدولية التي ابرمتها بلادنا. وشدد الأستاذ النقاطي على وجود مكاسب جديدة وتطبيق جديد لما وصلت اليه القوانين في القانون المقارن من ضمانات، حيث أن هناك تركيز للتوجه العالمي من ان القانون الجزائي لا بد ان يوجه نحو الاصلاح وليس فقط نحو الزجر والقمع. واعتبر النقاطي أن اهم سمات هذا المشروع خاصة في ما يتعلق بالباب الأول في تحديد «من يعاقب» وكذلك مسالة الدفاع الشرعي حيث وردوا بشكل دقيق فعديد التدقيقات القانونية وقعت صياغتها طبق نصوص قانونية معتبرا ان المجلة السابقة كانت تنص على البعض منهم الا أنها كانت غير مدققة. كذلك عقوبة التعويض الجزائي التي وقع التنصيص عليه في الفصل 39 جديد «للمحكمة اذا قضت بالسجن لفائدة مدة أقصاها عامين ان تستبدل بنفس الحكم هذه العقوبة بعقوبة التعويض الجزائي. ويحكم بعقوبة التعويض الجزائي في جميع الجنح المعاقب عليها بالسجن لمدة أقصاها خمسة أعوام، تقضي المحكمة بالزام المحكوم عليه بأداء تعويض مالي لمن ترتب له ضرر شخصي ومباشر من الجريمة ولا يمكن ان يقل مقدار التعويض عن 500 دينار ولا يتجاوز 20 الف دينار. ولا تحول عقوبة التعويض الجزائي دون الحاق تعويض مدنيا للمتضرر» حيث أن المحكمة بإمكانها ان تصدر حكما بتعويض جزائي تحدده لاحقا الى جانب التعويض عن الاضرار المادية وتلزم به المتهم ان يؤديه للمتضرر عوضا عن العقوبة السجنية. كذلك في ما يتعلق الفترة الأمنية التي بيّن الأستاذ النقاطي انها آلية لمراقبة المحكوم عليه حيث ينص الفصل58(جديد): «الفترة الأمنية هي المدّة التي تحدّدها المحكمة بحكمها ولا يمكن خلالها تمتيع المحكوم عليه بتعديل العقوبة أو بالوضع تحت نظام شبه الحرية أو تحت نظام المراقبة الإلكترونية أو بالسراح الشرطي. وتطبق في حالة الحكم بعقوبة السجن تساوي أو تفوق خمسة أعوام، بالنسبة للجرائم التي ينص القانون عليها. وتكون مدّة الفترة الأمنية نصف العقوبة المحكوم بها، وتكون مدتها عشرين (20) عاما في صورة الحكم بالسجن بقية العمر. لا يترتب عن الحطّ من مدة العقوبة بموجب العفو أي تخفيض من مدّة الفترة الأمنية.