صدر مؤخرا للشاعر التونسي نجيب بن علي ديوانا شعريا جديدا عنونه ب"يوسفيات" وهو مجموعة شعرية، صادر عن دار العودة بيروتلبنان في طبعة متوسطة الحجم تتضمن 170 صفحة اختار الشاعر أن يقدمها بإهداءات موسعة تترجم رصيده وعلاقاته الواسعة وما حظي به خلال مسيرته على امتداد عقد في نظم الشعر وإلقائه من خلال المشاركة في الأمسيات الشعرية والندوات الدولية العديدة في ربوع الوطن العربي. واختار الشاعر في هذا الديوان عنونة قصائده، التي جاءت كلها خليلية بالانطلاق من بيروت بعنونة القصيدة الافتتاحية «بيروتيات»، بما تحمله المدينة من رمزية ودلالات تضع الديوان في مجمله في سياقات مختلفة تجمع بين العشق والجمود والصمود. وقد جاء هذا الديوان الشعري ثريا بالصور الشعرية التي تكشف وتمجّد وتبرز خصوصيات بعض البلدان العربية وتحديدا بعض المدن بما تحمله من رمزية وخصوصية ثقافية وحضارية وتاريخية على غرار حلب بسوريا وغزة بفلسطين فضلا عن العاصمة اللبنانية آنفة الذكر، ومدن أخرى من تونسكالمدينة الأم ومسقط رأس الشاعر بنزرتوقرطاجوتونس العاصمة. خاصة أن هذا الاخير يعيش بالمهجر ويعمل منذ سنوات كمدرس للغة الأنقليزية بجامعات بالسعودية فضلا عن اضطلاعه بمهام أخرى في البحث والتدريب بجامعات أوروربية وأمريكية. واستفادة نجيب بن علي من ثراء تجاربه العديدة وتنوعها، تجسمت بالأساس في ما تضمنه ديوانه الجديد «يوسفيات» من تلوينة من القصائد تكشف في أبعادها ومضامينها ما تحمله مفردة «يوسفيات» في تركيبها الجمعي، من معاني ودلالات تحيل إلى الجمال الخُلُقي والأخلاقي والنبل والأدوار الإنسانية وحسن التفكير والتدبير والانتصار للقضايا الإنسانية خاصة أن شخصية «يوسف الصديق» التاريخية كانت محفوفة بالحب من الجميع وكأن الشاعر أراد من خلال هذا الاختيار أن يضع مشاعر الحب محور فاعلا وعاملا محركا للموجود والأحلام والأشياء فكانت «الغنائية» الطابع المميز لأبيات قصائده رغم التفاوت في إيقاعاتها تماشيا مع مضمون وموضوع كل قصيدة على غرار ما هو مسجل في «تونس تنتحب» و»رسم على رمس العلي» و»من أين يأتي كل هذا الذباب» و»قرطاج». فكان هذا المنجز أقرب لنتيجة لتجربة ذاتية تبين مدى هوس الشاعر بالحلم والمطلق وتسلح بالعاطفة والتعبير صراحة عن التحدي في محاولة لتحويل المستحيل إلى ممكن باعتماد أسلوب يبرز مدى تمكن الشاعر من اللغة الشعرية والقدرة على توظيف الكلمات و»بنائها» بشكل فني مدهش وعجيب تتلاقى فيه الخفة والشفافية والصور الشعرية المتواترة والثرية بالمعاني. وما ساعده في ذلك ليس فقط وفاءه للبحور الخليلية في قصائد ديوانه هذا بل أيضا حسن التعاطي مع هذه الأوزان بتوظيف البحور حسب مدلولاتها ومضامين قصائده لذلك اختار أن تكون قصائده على بحور المتقارب كما في «بيروتيات» و»تمرد» و»أيا جرح غزة»و»تونس تنتحب» وأخرى على البحر الطويل في «الغريب الرائح الغادي و»قرطاج» وبحر الرجز بما يحيل له من فنية وانتشار واسع في قصائد «آخر انسان» و»ابن رشد: تمتمة على مقصلة الاعتراف». فضلا عن توظيف الاستعارات والرموز المتولدة من رحم الاسطورة والدين كما في قصيدة « اخر انسان» بقوله: «البحر من أمامك يا ابن أبي والارض من ورائك كالمقصله فاصعد إلى النجم الذي لم ينكدر واحمل شظايا الروح يا بن الجلجله» وتجدر الإشارة إلى أن للشاعر نجيب بن علي إصدارات شعرية أخرى على غرار «قصائد من تحت الرماد» صدرت بالقاهرة سنة 2009 و»رسائل» ببيروت سنة 2012 وفي السنة التي تليها صدر لنفس الشاعر ديوان «شرفات الوطن الآخر» ودراسة «الإعلام الأمريكي والعالم العربي». وهو بصدد التحضير لإصدارات أخرى. وهو رصيد كان كاف ليقدم هذا الأخير مادة شعرية نوعية شكلا ومضمونا ترشحه ليكون بين الشعراء النوعيين خاصة أنه لم يساير ركب أغلب شعراء المرحلة الثائرين على الشعر الموزون والمنتصرين للشعر الحر بل اختار لنفسه منهجا مختلفا أكد فيه التزامه بالشعر القديم الأصل مع انفتاح على الراهن بحلمه وقضاياه لذلك جاءت الصور ثرية وثائرة وحالمة.