المشهد السياسي في تونس اليوم مشهد هجين، سريالي، غريب لا يمكن تصنيفه في أي خانة من خانات التصنيفات السياسية سواء منها تلك الأكاديمية التي حددتها العلوم السياسية أو الواقعية التي نراها غربا وشرقا.. من ينظر إلى المشهد السياسي التونسي اليوم يلاحظ بكل وضوح لخبطة واضطرابا وتداخل ألوان.. فلا تعرف الحاكم من المعارض ولا اليمين من اليسار ولا تميز بين سلطة تنفيذية وسلطة تشريعية وسلطة قضائية في ظل تداخل بين المهام وعدم وجود لاي تفريق بين السلط. فالحزب الفائز في الانتخابات فقد سيطرته على الحكم... والحزب الثاني الذي من المفروض أن يصطف في المعارضة وجد نفسه يحكم بصفة مباشرة وغير مباشرة.. إما صلب البرلمان فان «مركاتو» الانتدابات والسياحة البرلمانية باتت الصفة الرائجة فأبناء الحزب الواحد منقسمين صلب كتل مختلفة.. والكتلة الواحدة تجدها خليطا من التوجهات الحزبية بحيث أصبح بالإمكان أن تتعارض مواقف اللون الحزبي الواحد بسبب اختلاف الكتل وتداخلها وغرابتها... أما مبدأ التفريق بين السلط فقد أصبح شعارا.. لنجد سلطة تنفيذية تشرع وسلطة تشريعية تحكم وتنفذ وسلطة قضائية متهمة بالخضوع لهذا الطرف أو ذاك تتحرك عندها الملفات بالأوامر وتختفي أو تجمد كذلك بالأوامر... إن ما يشهده الواقع السياسي للبلاد اليوم هو نتيجة حتمية لاستمرار حالة العقم السياسي الذي تواصل منذ الثورة وحتى ما قبلها حيث نجح النظام السابق في تجفيفها وإخضاعها.. لتجد الأحزاب السياسية بكبيرها وصغيرها نفسها اليوم عاجزة عن إيجاد قيادات وبدائل لقياداتها الراهنة في ظل سياسة التداول وعاجزة عن طرح بدائل سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وعاجزة عن إنتاج خطاب سياسي جديد مقنع بإمكانه أن يعيد العامة إلى حماسهم الذي وجدوه بعيد الثورة في متابعة الواقع السياسي... لقد غابت النظرة السياسية والتخطيط والإقناع عن كل السياسيين في تونس لتحل الشعبوية لدى جميعهم من رئيس جمهورية أفلتت من بين يديه الأمور في ظل قيود دستورية وتداخل الحزبي بالعائلي لديه.. إلى رئيس حكومة غلبته طموحاته وأصبح مهتما بالاستحقاقات الانتخابية أكثر من واقع ومستقبل البلاد، إلى زعيم معارضة توافقي نجح في تفتيت كل من تحالف معه ليكون الحاكم عن بعد للبلاد دون التورط في السياسات والقرارات الفاشلة ودون تحمل لأي مسؤولية في الفشل وتردي الوضع دون السعي لتغيير الواقع والاكتفاء ببيع الأوهام وتزييف الوعي. إن المشهد السياسي اليوم، بقتامته ورداءته في حاجة إلى إعادة رسم لخارطته أولا بضرورة تعديل النظام السياسي المعتمد والذي جاء به دستور الجمهورية «الثانية» وأيضا بضرورة إحداث ثورة تاريخية صلب الأحزاب والتشكلات القائمة والتي كانت بتعددها دون «تعدديتها» عبئا على الديمقراطية ولم تكن في نهاية المطاف سوى إعادة إنتاج لممارسات براغماتية انتهازية خالية من أي مشروع سياسي أو اقتصادي أو مجتمعي تقدمي.. إصلاح المشهد السياسي اليوم أصبح أمرا حتميا وضرورة قائمة.. لكن بمثل هذه شخصيات وبمثل هذه هياكل وبمثل هذه الأحزاب هل بالإمكان الطموح إلى ما هو مأمول والمضي الى ما هو أفضل؟