جلسة بين وزارة الصناعة وشركة صينية لتعزيز استخراج الفسفاط    رئيس جمعية القضاة يتّهم وزارة العدل بالتنكيل به    رسميا: زياد التلمساني يودع ترشحه لإنتخابات الجامعة التونسية لكرة القدم    تونس: "لم نتفاجئ من فشل مجلس الامن في إقرار عضوية فلسطين بالامم المتحدة"    خطير/ العالم الهولندي يحذّر من مشروع لحجب الشمس.. يدعمه بيل غيتس!!    تايوان ترصد 21 طائرة عسكرية صينية حول الجزيرة    أداة ذكاء اصطناعي تحول صورة ومقطعا صوتيا ل"وجه ناطق" بتوقيع مايكروسوفت    الامارات: بن زايد يكرّم تونسية ساهمت في إنقاذ 8 اشخاص من حريق    اليوم غلق باب الترشحات لإنتخابات الجامعة التونسية لكرة القدم    القصرين: وفاة 4 أشخاص وإصابة 4 آخرين في إصطدام سيارة نقل ريفي بشاحنة    بطولة إفريقيا للتنس: التونسيتان لميس حواص ونادين الحمروني تتوجان بلقب الزوجي    رئيس الإمارات يكرّم فتاة تونسية قامت بعمل بُطولي    دراسة تكشف أصول "القهوة الصباحية".. كم عمرها؟    يساهم ب 16% في الناتج المحلي: الاقتصاد الأزرق رافد حيوي للتنمية    عاجل/ إضراب مرتقب في قطاع المحروقات.. وهذا موعده    قفصة : الاعدادية النموذجية تتحصل على أفضل عمل متكامل    جندوبة: انطلاق بناء مدرسة اعدادية بجاء بالله طبرقة    شملت شخصيات من تونس..انتهاء المرافعات في قضية "أوراق بنما"    جبنيانة: حجز 72 طنا من الأمونيتر    عاجل/ إتحاد الفلاحة: "تدهور منظومات الإنتاج في كامل البلاد"    طقس السبت: رياح قوية والحرارة بين 18 و28 درجة    غارة جوية تستهدف موقعا عسكريا لقوات الحشد الشعبي في العراق    هيئة الدّفاع عن المعتقلين السّياسيّين: خيّام التركي محتجز قسريا وهذه خطواتنا القادمة    يستقطب قرابة نصف اليد العاملة.. مساع مكثفة لإدماج القطاع الموازي    منظمة الصحة العالمية تعتمد لقاحا جديدا عن طريق الفم ضد الكوليرا    المنستير للجاز" في دورته الثانية"    عبد الكريم قطاطة يفرّك رُمانة السي آس آس المريضة    جندوبة: حجز أطنان من القمح والشعير العلفي ومواد أخرى غذائية في مخزن عشوائي    منوبة: حجز طُنّيْن من الفواكه الجافة غير صالحة للاستهلاك    بنزرت: القبض على تكفيري مفتش عنه ومحكوم ب8 سنوات سجنا    رئيس الجمهورية يشرف على افتتاح الدورة 38 لمعرض تونس الدولي للكتاب    هزيمة تؤكّد المشاكل الفنيّة والنفسيّة التي يعيشها النادي الصفاقسي    تعاون تونسي أمريكي في قطاع النسيج والملابس    معرض تونس الدولي للكتاب يعلن عن المتوجين    حالة الطقس خلال نهاية الأسبوع    لجنة التشريع العام تستمع الى ممثلين عن وزارة الصحة    تخصيص 12 مليون م3 من المياه للري التكميلي ل38 ألف هكتار من مساحات الزراعات الكبرى    الصالون الدولي للفلاحة البيولوجية: 100 عارض وورشات عمل حول واقع الفلاحة البيولوجية في تونس والعالم    سيدي بوزيد: وفاة شخص وإصابة 5 آخرين في اصطدام بين سيارتين    انطلاق معرض نابل الدولي في دورته 61    مضاعفا سيولته مرتين: البنك العربي لتونس يطور ناتجه البنكي الى 357 مليون دينار    القصرين: تلميذ يطعن زميليْه في حافلة للنقل المدرسي    أبرز مباريات اليوم الجمعة.    تواصل حملات التلقيح ضد الامراض الحيوانية إلى غاية ماي 2024 بغاية تلقيح 70 بالمائة من القطيع الوطني    كلوب : الخروج من الدوري الأوروبي يمكن أن يفيد ليفربول محليا    توزر: ضبط مروج مخدرات من ذوي السوابق العدلية    رابطة ابطال افريقيا (ذهاب نصف النهائي) : الترجي الرياضي يواجه صان داونز بحثا عن تعبيد الطريق الى النهائي    وفاة الفنان المصري صلاح السعدني    انتشار حالات الإسهال وأوجاع المعدة.. .الإدارة الجهوية للصحة بمدنين توضح    برج السدرية: انزلاق حافلة تقل سياحا من جنسيات مختلفة    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    منبر الجمعة .. الطفولة في الإسلام    خطبة الجمعة..الإسلام دين الرحمة والسماحة.. خيركم خيركم لأهله !    ضروري ان نكسر حلقة العنف والكره…الفة يوسف    شاهدت رئيس الجمهورية…يضحك    حيرة الاصحاب من دعوات معرض الكتاب    غادة عبد الرازق: شقيقي كان سببا في وفاة والدي    موعد أول أيام عيد الاضحى فلكيا..#خبر_عاجل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



منذ توقيع اتفاق تقاسم المناصب قامت النهضة بإقصاء كل القوى السياسية والاجتماعية
الدكتور عثمان بن حاج عمر الأمين العام لحركة البعث تونس
نشر في الشعب يوم 25 - 08 - 2012

بعد اضمحلال دولة «الخلافة» وتفكّك دولة «البروليتاريا» وتداعي دولة «الوحدة القومية» لماذا تتشبّث النخب السياسية بايديولوجيات هذه المشاريع المنهارة في سياقات حركتي التاريخ والمجتمع، فتسعى إلى إعادة تشكيلها بصيغ جديدة تنهض حسب زعمها على جملة من المراجعات والتقويمات النقدية للفكر والممارسة؟
ولماذا تتصارع وتتناقض هذه الآليات السياسية ونماذجها المثالية، قد أكل عليها الدّهر وشرب وصارت من أخوات كان؟
لكن في المقابل هل أصبح الفكر الانساني المعاصر عاجزًا عن إنتاج ايديولوجية جديدة، أم أنّ البراغماتية المزروعة في رحم الليبرالية أسلوبا وهدفا، قد جفّفت منابع كلّ جهد يهدف إلى صياغة إيديولوجية لا تفعل سوى أنّها تجمّد الواقع وهي تعتقد أنّها تتولّى عمليّة تثويره؟ وبعبارة أدق، بعد انهيار المشروع الاسلامي والمشروع الاشتراكي والمشروع القومي، لماذا تصرّ بعض الأحزاب على إعادة الروح إلى جسد أصبحت عظامه نَخِرَةً؟ وهل تبيّن أنّ البشرية لا يمكن أن تعيش خارج هذه الايديولوجيات، ثمّ ما الذي يمكن أن تقدّم هذه المنظومات من الأفكار والقيم والمعايير في عصر لا يعتبر عصرها هذه الأسئلة وغيرها طرحناها بشكل وبآخر على الأستاذ عثمان بلحاج عمر الأمين العام لحركة البعث ودكتور القانون بجامعة جندوبة. هذه الأسئلة الفكرية الحارقة في علاقتها بالواقع الدولي أو العربي أو القطري لا يمكن أن يخوض في تمفصلاتها وجزئياتها غير المثقف الذي ولج سياجات السياسة فعمق فيها الأخلاق وجذبها أكثر إلى تخوم الفكر والمعرفة مُؤَمّنا لها طريقا سالكة أمام عدم العودة إلى المكر والمخاتلة.
بداية هل أنّ البعث هو مفهوم ديني قدري أم فلسفي وجودي؟
= من أهم صفات العقل العربي، في المرحلة الراهنة، أنه تحوَّل إلى عقل سياسي إيديولوجي إخباري خطابي. وللأسف الشديد لم يتكوَّن، حتى الآن، العقل العربي المستند إلى رؤية عميقة، والرؤية العميقة تستند إلى تاريخية الظاهرة وخصوصياتها وإنسانيتها ومقاساتها الرؤيوية الإنسانية العامة، وهو ما نطلق عليها التحول في اتجاه العقل الفلسفي.
لقد تساوى، في عصر تحول الكرة الأرضية إلى قرية صغيرة، كل العرب المتابعون لوسائل الإعلام في ملاحقة الخبر في اللحظة التي تحْصل فيه الحادثة. وفي مثل هذا التساوي تتولَّد الصعوبات الأكبر أمام العقل العربي، لأنه في ظل هذا التساوي تتعادل العقول في المقدرة على اكتساب الخبر، ولكنها لا تتساوى في المقدرة على الاستنتاج والرؤية السليمة. وقد تتساوى شتى مستويات المثقفين، فتتحوَّل اللعبة المعرفية إلى ميدان التنافس بديلاً للتكامل... و هذا السؤال يقع في هذا الإطار... لماذا؟
- لكونه يتجنى على الفكر العربي الثوري الذي هو فكر علمي جدلي ينطلق من قراءة الواقع القائم في علاقته بماضيه الذي كان فيه للإسلام الدور الأساس في صقله بما فعله من قيم عالمية دون الفصل بين ما هو روحي و ما هو مادي ورؤية هذا الفكر لتطوره المستقبلي في الحيز الذي يكون فيه الانسان قادرا على تفعيله بما يضمن للأمة دورها الانساني المتألق بعيدا عن المثالية التي تؤكدها العقائد الدينية التي هي مسلّمات أو الوجودية بوصفها حالة فكرية تؤكد المادة وتلغي الروح ..
- لكونه في ذات الوقت باعتباره سؤالا يبحث عن منافذ تهدف التقليل من المصداقية التي وضعها الفكر العربي الثوري في صيغة أهداف استراتيجية تأكدت واقعا ميدانيا في ضمير وتصور العربي كحل لأزمته المركبة بصيغة المرحلة التاريخية ... والبعث من الناحية السياسية هو حزب سياسي، لا جدال في ذلك، ولكن السياسة وسيلة، وقد أردنا أن نقول منذ البدء لشعبنا وللجيل العربي الجديد إذا عرّفنا حركتنا بأنها حزب سياسي أردنا أن نقول لهم هذا هو الواقع فلا تتلهّوا بالخيال ولا تنسحبوا من مواجهة الحقائق القاسية، فالسياسة هي أكثر الأمور جدية في المرحلة الحاضرة. ولكننا اذا قصدنا ان نلحّ على واقعية نظرتنا في مواجهة الواقع في كل معناه ومواجهة المسؤوليات العملية بكل قسوتها، فليس معنى هذا ان السياسة غايتنا. السياسة هي امتحان لمثاليتنا: هل هي مثالية العاجزين الذين يرصفون الأوهام، أم هي المثالية الحية العملية لمن يريد أن يخلق وأن يعمل. لذلك جعلنا السياسة امتحانا للايمان والمثالية، ولكنها لم تكن غاية في حال من الأحوال. حركتنا هي حركة بعث بأوسع ما في هذه الكلمة من معنى -بعث في الروح والفكر والأخلاق والانتاج والبناء وفي كل هذه المؤهلات والكفاءات العملية.
إذن متى يكون البعث الجديد وأين؟
هل وُضعت أهداف البعث المعبر عن الفكر العربي الثوري موضع التنفيذ حتى نقول بالبعث الجديد أو القديم ...الأمة العربية في خروجها من حالة التشظي والدور التاريخي الهامشي على يد ثورة الاسلام من خلال النموذج المحمدي الذي تحلى به حملة الرسالة خالدة في انطلاقتها وأسست للنقلة المادية والمعنوية للبشرية بمفهوم الفعل الحضاري البائن والمؤشر لتصبح جسر التقابل الحضاري وسرة الفعل الانساني الطامح لما هو خير في فعل الانسانية تعرضت لضغط خارجي مقابل لها توافق وما عايشته من تراجعات داخلية أخرجها من دائرة الفعل لفائدة قوى ظرفية عمقت أزمتها وجعلتها عرضة لمختلف الاحتلالات التي هي ومنذ بداية القرن العشرين بصدد معالجتها ...معالجة تتطلب رؤية بصيغة ذات النموذج الذي أخرجها في بعثها الأول يمثله الفكر العربي الثوري الآن بمفهوم البعث الثاني للأمة .، أما إن كان السؤال بمعنى التجربة الثانية، بعد التجربة المشرقية في العراق خاصة، وما يستبطنه السؤال من ضرورة وجود تجربة تضيف للرصيد الإيجابي الذي خلفته التجربة الأولى ولا تزال، وتطهر التجربة الأولى من أدران السلطة، تطهرالتجربة وتطهر المناضلين، فأقول إن حركة البعث في تونس قادرة أن تضيف للرصيد الإيجابي للبعث، فكرا وممارسة، وهي بصدد تخطي صعوبات التأسيس، وصعوبات خوض غمار عملية سياسة في إطار طيب من الحرية، لفرض وجودها في المشهد السياسي وتأكيد التزامها بالمنهج الدمقراطي داخل الحزب وفي التعامل مع المشهد السياسي والشعبي بصورة عامة... بهذا المعنى نقول إن البعث الجديد/ أو المتجدد يجد في المغرب العربي وفي تونس وما يتسم به شعبها من انسجام ديني وإثني ومذهبي، شعب أصيل الانتماء إلى أمته، التربة الملائمة، ومصداقا لقول القائد المؤسس ميشيل عفلق، إن الشروق الأصيل لشمس العرب سيكون من المغرب.
لكن ألا يؤثر سقوط دولة البعث في العراق وتآكل الثانية في سوريا على عقيدتكم وسياستكم؟
- بالنسبة إلى القطر العراقي لو أتى السؤال من صحافي غير عربي لوجدت له تبريرا أما أن يضعه عربي فقولك باضمحلال البعث في العراق يجعلني أطرح تساؤلا هل تتابع أخبار الساحة العراقية أم لا... مع ذلك البعث في العراق لم يضمحل بل على العكس مما كان عليه في فترة التمكين وإدارته للسلطة من حيث الامتداد الشعبي أو من حيث فعالياته النضالية مجسدة في المقاومة. فلوْلا مقاومة البعث والقوى الوطنية للاحتلال الأمريكي لأصبح مشروع الشرق الأوسط حقيقة واقعية لا حلُما أمريكيا الآن ...
- بالنسبة إلى القطر السوري البعث حكم في سوريا من 1963 وحتى فيفري 1966 لا غير بغض النظر على ادعاء «الأخوة» في سوريا الحكم باسم البعث.
أعود الآن إلى سؤالك، ماذا تعني بمثل هكذا سؤال ؟ 1) إذا كان احتلال قطر عربي كالعراق وتعريض قطر عربي آخر الى حرب أهلية بتفعيل بائن من قوى دولية وأخري اقليمية باستخدام أدوات في كلا الحالتين لا يمكن أن تجد لها تصنيف أكثر من تصنيف العمالة والانبتات لا يؤثر في من يرفع شعار التحرر والاستقلال فما هي الأشياء التي يمكن أن تؤثر في من يعتقد في نفسه أنه وطني و قومي ... فتأثير احتلال العراق وما ترتب عليه من مثال هو قيد التسويق والتعميم حاليا وأحداث سوريا القائمة رغم توافقها والحراك الشعبي لها تأثيرها السلبي على الخطاب التحرري لا فقط علي البعثيين و القوميين فحسب وإنما على كل من يطرح نفسه على الساحة القطرية أو القومية بمنطق الوطني إلا اذا كانت الوطنية تفاضلية بمنطق الأسلمة السياسية السائد في ما نسمعه الآن من خطابات بمنطق الخطوط الحمراء هنا و الخضراء هناك ...أي المسموح وغير المسموح ... وبمفهوم السيد راشد الغنوشي في مقالته التي كتبها اثر اغتيال الشهيد الرمز صدام حسين بعنوان «بعد طيّ صفحة صدام والبعث، العراق :إلى أين ؟» حيث كتب قائلا : ( وإن من كيد الله بالأمريكان والصهاينة أن يجيّشوا كل هذه الجيوش لإسقاط حاكم علماني طالما خدم مخططاتهم فينزعوا السدادة التي طالما حالت والعمائم من كل حجم ولون أن تملأ الساحة، كما لم يحصل ويؤمل من زمان بعيد. «ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون، فانظر كيف كان عاقبة مكرهم إنا دمرناهم وقومهم أجمعين»)... خطاب يكشف مدى قراءة الواقع العربي بعين الآخر وانغماس صاحبها في استراتيجية غير استراتجية الوطن والأمة العربية ...واجتماع «ايباك» دليل قطعي لمثل هكذا رؤية .
- واقع المنطقة العربية وما تعرضت له تجربة البعث في العراق إذ مما لا شك فيه من أن التضييق على التجربة الوطنية والقومية في القطر العراقي في مرحلة أولى منذ تأميمها النفط وأساسا منذ تأمينها للحدود الشرقية للأمة العربية بعد حرب دامت ثماني سنوات بصيغها الاقتصادية والسياسية والإعلامية وما رافقها من حملات شيطنة لكل ما هو وطني وعربي واستهدافها منذ 2003 تاريخ بداية احتلال العراق اجتثاثا بكل ما فيها من دعائم مادية وهيكليةوبشرية ... له ثقله الأساس بصيغة الدفاع عند الخط الأخير ...خاصة في الساحة القومية (حد خوف البعض من إمكانية أن يكون نزيل لقوانتانامو) من ناحية ومن ناحية أخري لا يمكن أن نتجاوز حالات الانحراف في الخطاب القومي التي فعلتها عديد الهياكل (المؤتمر العربي مثلا) أو بعض الإعلاميين ممن كانوا محسوبين على المشروع القومي ...والذين انخرطوا بصيغ متفاوتة في تلميع الصورة الكالحة لإيران بصيغة الجار المسلم / الأسلمة ...الذي يجب أن نقبل بوجوده بمفهوم الطرف المتصدي للصهيونية والغرب ...النتيجة أعباء عمقت حالة التقوقع والعودة المكتفية بالمحافظة على ما هو قائم وترقب فعلا بصيغة الصدمة تنجزه المقاومة على الساحة العراقية في قراءة منقوصة لطبيعة المواجهة وصيغة معركة الحواسم كما بنتها وأطرتها القيادة الوطنية وفعلتها المقاومة العراقية الباسلة ...مما أضفى على حركة الفعل القومي بصيغة مشروع عامة حالة لا تخلو من فقدان حيويته وتعرضه للنهش من أطراف متعددة ...بلغ حد تصريح البعض بنهايته و انفتاح الساحة على غيره من المشاريع وهو ما نلاحظه في الصياغات التي كان يمدنا بها الهيكل المسمي «بالمؤتمر العربي الإسلامي» ... و ما تمارسه الأسلمة السياسية (العثمانية الجديدة) حاليا من خطاب في ما يتعلق بالساحة السورية بعد أن كانت احدى الأدوات الهامة في تلميع صورة الأسلمة السياسية في صورتها المقابلة (ولاية الفقيه/ ايران الخميني ) بما يجعل من التقابل الاسلامي /الاسلامي وبالنتيجة العربي/العربي حقيقة قائمة تخدم استراتيجيات دولية واقليمية ولا تخدم الأمة العربية كأقطار أو كأمة هي في حالة تلمس طريق نهضتها وتحررها واستقلالها .. حالة لا نعتقد في أنها معطلة للقوميين والبعثيين خاصة في فعلهم فقط وإنما هي معطلة ومعرقلة لكل فعل وطني في المطلق ...
سواء بالعراق أو بسوريا بني النظام على السلطة المركزية المفرطة للدولة التي تداخلت حد التماهي مع أحادية حزبية نافية للتعددية والديمقراطية ... ما رأيكم في النظام السياسي والمسألة الديمقراطية في تونس؟
- أثارت طبيعة الدولة واتجاهات فعلها الاقتصادي والاجتماعي والعلمي والعسكري والأمني في ظل النظام الوطني وما أفضت إليه من احتلال للعراق نقاشا متواصلا سواء في وسائل الإعلام السمعية البصرية أو المكتوبة أو حتى في النقاشات العامة حول الأسباب الدافعة إلى هذا السلوك العدواني لعالم الحرب «وأممه المتحضرة». العرب من دائرة النهوض» ومناقشة سبل مواجهتها وبالتالي تحصين جبهة الدفاع على الوطن ومناهضة العدوان فنيا باتجاه الانتقال إلى ما هو عملي إذا ما تطلب الموقف ذلك. انساقت الغالبية إلى مناقشة الأسباب المعلنة لعالم الحرب والنظر إليها بشكل حسابي « النفط وحجم الاحتياطي، أمن الكيان الصهيوني والتسلح العراقي، مسألة نقل التكنولوجيا المحظورة على منهم دون سن الرشد كما يقول الغرب » دون ربطها بالأداة المتحكمة والمسيرة لها أي النظام السياسي القائم واستراتيجيته العامة مع وضعها في ظرفيتها التاريخية وذلك إما تحت تأثير الصدمة المفتعلة (وأقول مفتعلة بحكم اختلال موازين القوى في المواجهة التقليدية) أو نتيجة لرؤى شخصية ذات علاقة بالنظرة الشمولية للوطن ووضعه في السياق التاريخي الآني والمستقبلي وما تفرضه هذه الرؤى من حسابات الربح والخسارة بلغ حد اعتماد آراء بعض العملاء الذين تقدمهم وسائل الإعلام للاستشهاد على ما كان سائدا في العراق أو انخراط عديد الوسائل الإعلامية العربية في الترويج للاستراتيجية الامريكية كقناتيْ الجزيرة والعربية. فجل النقاشات انطلقت ومازالت من وضعية قطر عربي يتعرض للاحتلال والتقسيم من خلال أولويات قطر أو أقطار بعيدة عن الاستهداف المباشر وإن هي مستهدفة بالنتيجة بحكم الانتماء الجغرافي والاقتصادي و الحضاري نتيجة ما يعنيه مثقفيها أو جماهيرها من حالات كبت مادي ومعنوي ... والسؤال الموضوع لا يخرج عن دائرة التأثير هذه وبذلك ساعدت وتساعد سواء قبل أصحابها أم لم يقبلوا، تعمدوا ذلك أم لم يتعمدوا على خلق المزيد من المرتكزات المادية والمعنوية والنفسية للامبريالية والصهيونية وعملائها المحليين لتوسيع دائرة التآمر على الأمة والوطن ولا أعتقد أن أي منا لم يستوقفه المشروع الأمريكي ما اصطلح على تسميته« بالشرق الأوسط الكبير»...مما يعني تقديم النتيجة على السبب الذي لم يحسم أين الانحراف وخدمة توجهات الأجنبي ومصالحه على حساب الوطن ومصالحه، لنفترض جدلا وواقعا من أن الدولة الوطنية في العراق دكتاتورية ليضع كل منا نفسه في موقع القيادة العراقية بكل مكوناتها ( الفكرية الاستراتيجية – التنظيمية – الهيكلية ) بصيغة التبادل في الموقع مع محافظة كل منا على توجهاته الفكرية التحررية... ويتعرض لهجمة إمبريالية صهيونية تعتمد أدوات محلية وإقليمية وأخرى مباشرة، هل يستطيع الجمع بين الدفاع عن الوطن والديمقراطية والبناء ؟ الجواب قطعا لا ...لان ذلك ضربا من المستحيل ... إذ لابد من تقديم التضحيات. فالذراع (القدرة) العملية لأيّ منا مهما كانت لا بد أن تنحاز لتطول وتبلغ غاياتها في جانب وتقصر حتى تبدو كأنها غائبة في جانب ومرئية بقدر ما في الجانب الآخر من مثلث الأولويات طبقا لما تفرضه هذه المواجهة من ساحات ومن تقديم و تأخير في درجة الأهمية المرحلية لكل منها رغم ترابطها و ليس في ذلك ما ينقص من صدق الوطنية أو ما يجعل المرء خارج حركة التاريخ والتاريخ يؤكد ذلك سواء في التجارب الثورية التي قامت على العقيدة السماوية « موقف أبي بكر رضي الله عنه من الردة » أو في التجارب الثورية الاشتراكية « موقف لينين من الثورة المضادة » أو موقف ستالين في تطبيق الاشتراكية وتعميمها أو التجارب الليبرالية «الثورة الفرنسية» أوتجارب بناء الدولة « الحرب الأهلية الأميركية ». فكيف غابت هذه الأمثلة عن فكر منظّرينا وإعلاميي قنواتنا وانساقت وراء الإعلام الغربي ذي الأهداف المصلحية التي لا تستثني قطرًَا من أقطار الأمة...إذن بناء الدولة والخروج بالمجتمع من دائرة الخيام المتعددة الى خيمة الوطن الواحد تفرض على كل من يتصدر القيادة بالصيغة الوطنية المستقلة تغليب ذراع المركزية على ذراع الديمقراطية رغم أن القيادة الوطنية في العراق لم تلغي مسألة العمل الجبهوي وعرفت تجربة تتحمل الأطراف التي قدمت علي الدبابة الأمريكية أو في أحذية جنودها الوزر الأساس في تعثرها... ومن يأتينا بتجربة غابت عنا هكذا حالة نكون له ممنونين ...
- في سوريا اليوم وبقطع النظر عن التاريخ نجد أن هناك تداخل بين مسألة الحراك الشعبي وأحقيته في الحريةوالكرامة جعل عديد الأطراف التي تعمل الآن على شيطنة النظام السوري والتي كانت الى فترة ما قبل الحراك تعتبره من دول الممانعة وتتناغم في ذلك مع ايران ... وتسكت عن طبيعته الكليانية كما سكتت عن طبيعة نظام الملالي معتبرة كلا الطرفين حالة متقدمة وتنتقدنا في موقفنا من كليهما ... موقفنا من النظام السوري لم يتغير منذ 1966 تاريخ الانقلاب على الحزب من أنه نظام لا يمثّل البعث ... نظام شارك الى جانب ايران في حرب السنوات الثمانية ... وشارك في العدوان الثلاثيني سنة 1991 الى جانب الغرب ودول الخليج ... ومارس حصار الماء على العراق بقطع تدفق الفرات سنة 1973 ... و تدفق النفط عبر الأنابيب عندما أمّم العراق النفط ... ورغم مشاركته لحركة أمل وحزب الله الذي فرخته سنة 1982 في ضرب البعثيين والحركة الوطنية في لبنان .. مع كل تلك المواقف ولمعرفتنا بمدى إيذائها للبعث رؤية وتصورا لم يتردد البعث في أن يكون من خلال الدولة الوطنية في العراق علي خط المواجهة رغم عدم اعلامه بالحرب سنة 1973 وحمى دمشق من السقوط باعتبار أن الفعل القومي هو الأساس دون أن يحجب ذلك رؤيتنا له ...
انطلاقا من هذا التشخيص لتجربة البعث في العراق وسوريا، فإننا في حركة البعث في تونس، وبالنظر إلى اختلاف الواقع الاجتماعي (التعدد الإثني والديني والمذهبي) نعتقد أننا سنخط صفحة وضاءة إضافية في سجل المنجز البعثي ... صحيح أنه منطقيا لا يمكن الحديث عن برنامج متكامل ونهائي في الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ونحن في هذه الفترة التأسيسية والتجربة الجديدة من العمل العلني، ونعتقد أن المؤتمر الأول الذي قرب موعده بعد المؤتمر التأسيسي سيتقدم في تحديد الإطار العام والتفاصيل في هذه المجالات. ولكن هذا لا يمنع من القول بأن حركتنا بتوجهاتها المعلنة التي رسمها المؤتمر التأسيسي كحزب قومي وحدوي يهدف إلى بعث الأمة العربية والعمل على توحيدها في إطار دولة عربية اتحادية، ديمقراطية شعبية لا تحيَد أية قوة فاعلة فيها...
على المستوى السياسي:
إقامة دولة عصرية ذات نظام جمهوري ديمقراطي تعددي لا يقصي ولا يستثني، الانتخاب هو الأساس الوحيد للشرعية فيه، نظام برلماني معقلن أو مرشد، (الحكومة تقودها الأغلبية النيابية، وريس الجمهورية منتخبا انتخابا عاما مباشرا وحرا وله صلاحيات واضحة في مجالات السياسة الخارجية والدفاع الوطني، وفي الحفاظ على استمرارية الدولة...) وإنشاء محكمة دستورية بالإضافة إلى دورها في الرقابة على دستورية القوانين، تسهر على العلاقة بين السلطات وحماية مجال كل سلطة...
النظام العراقي طبع الكتب وبنى الجامعات ودرس آلاف الطلبة بمؤسساته، أين هؤلاء من حركة البعث اليوم؟ وماذا قدمت عملية الاستثمار في العقل والثقافة العربية التي قام بها العراق على مدار عقود من الزمن؟
النظام الوطني في العراق وما هو معلن أنه النظام العربي الوحيد الذي مارس مفهوم توزيع الثروة القطرية بمفهوم الرؤية القومية ... توزيع لم يكن يهدف من ورائه كسبا لمعرفته من أن مسألة العروبة والانتماء لا تتأتي بالمقايضة وإنما هي حالة قائمة في وجدان العربي ...فبالتالي العراق ليس فرنسا ولا قطر ... حتى يمد بيده اليمني ليقبض باليسرى ... طبيعي جدا ومن حقه طالما تحكمه العقلية والرؤية القومية أن يرى أن هكذا استثمار أفضى إلى تحصين الأمة في هذا القطر أو ذاك ... لما لهذا التّحصين من فائدة للأمن القومي الذي يبقي أمنا واحدا مهما تمايزت الأنظمة القائمة واختلفت ... وواقعنا المعاش يؤكد ذلك.
بالمحصلة: الآن كيف تشخصون الراهن السياسي في ظل حكم حركة النهضة؟
- نعتقد أن التجاذب الراهن السياسي الرهن يقوده اتجاهان :
أ الاتجاه الأول :
خط مرتبط بما كان قائما قبل اندلاع الحراك الشعبي وما عرفه من توسع بدايات غير محسوبة تتجاذبه قوى غربية رئيسية يرى أن استمراره و بقاء امتيازاته ومواقعه مرهون بتنفيذ مشيئة العواصم الغربية...ويصطدم سواء من حيث الفعل أو التعبير عن نفسه بمسألة الإخراج تحسبا لرد فعل الشارع الذي مازال محتقنا لذلك يعمل بصيغة التسويف وكسب الوقت....في ترابط بصيغة التماهي وخط لا يحرص على السيادة الوطنية والاستقلال وقد أصبح مرتبطا بقوى عالمية وإقليمية ( شرق أوسطية ) تحت ذرائع عقائدية لا يمكن أن تغطي حقيقته التابعة لتلك القوى مستعجلا ملأ الفراغ حتى ولو كان باستخدام أسلوب النظام الذي أسقطه الشعب... أو ذلك الذي لم يسقط بعد ... رافعا شعار بصيغة التشبه والتوظيف المعكوس المبتذل (من دخل بيت أبي سفيان فهو آمن ) ... خط يقرأ الواقع من خلال رؤية مصالح القوى الدولية ولا يتردد في تنفيذ أجندتها رغم تبرئته ظاهريا من ذلك ولكن أطرافه لا تتورع عن مبادلة أفكارها بالسلطة على نمط راشد الغنوشي وزيارته «لأيباك » وحضوره مؤتمر لاغوس وما رافق ذلك من تسويق لرؤية الأسلمة سواء من التطبيع أو العولمة ... النتيجة اتجاه سعيد جدا بتصعيده للسلطة في أكثر من ساحة كنتاج واقع غير ثابت بكل مؤشراته لكونه ناتج واقع اجتماعي متحرك تم شرحه أعلاه من ناحية ومن ناحية ثانية التماهي في الرؤية والتصور مع رؤية الأمريكان والغرب بلغ حد الانخراط كأداة مباشرة لحرف الحراك الشعبي في سوريا بما ينسجم وتلك الرؤية اتجاه يتناسى ان الترويج الغربي له لا يعدو أن يكون أكثر من تسويق آنيّ ومن أن موقف الأمريكان والغرب منه هو موقفه من الذين ركبوا دبابته أو قدموا متخفين في أحذية جنوده في العراق فأفضلهم لن يكون أكثر من مالكي أو طالباني محسن بصيغة تونسية أو ليبية أو مصرية ...أي في أعلى حالاته لا يتعدى أن يكون إلا صورة مشوهة لذات المثال الذي صنعه الاحتلال ونصبه حاكما في بغداد. أي مزيد من اغراق الأمة العربية في أزمتها بما يخرجها نهائيا من دائرة الفعل الحضاري والانساني لمرحلة تاريخية أخرى.
خط وطني قومي تقدمي مستقل مؤمن بتغليب مصلحة الوطن والشعب على ما سواها والدفاع عن الحقوق والكرامة والتحرر والانعتاق من أية قوالب فكرية جامدة أو شروط سياسية مسبقة تكبل إرادته المستقلة رؤية وفعلا متماهيًا مع القاعدة الشعبية ويفتقد إمكانات التعبئة المادية. إلا أنه رغم توفر المناخ الثوري تحت تأثير تلاقي فعل المقاومة العراقية والحراك الشعبي ... لم يصل هذا الخط بعد إلى أفضل الطرق الضامنة لانتصار الحراك الشعبي وعدم السماح بحرفه أو ركوبه من أطراف تكاد تكون مخلقة اعلاميا وبصيغة اللحظة ( تونس ...المغرب ... مصر ... ) ، ومفعلة بالرّيموت كنترول عن بعد ( العراق .. ليبيا .. و سوريا حالي ) ... تحت تأثير جملة عوامل أهمها التردد أمام العمل الجبهوي علما أن المواجهة المفتوحة التي تستهدف الوطن العربي والأمة العربية لن يتم الخروج منها إلا بتوحيد كافة القوى الوطنية والشبابية في اطار جبهات وطنية تضع استراتيجية التغيير وتحدد قواها من هم الاصدقاء ومن هم الأعداء القائمين والمحتملين وبذلك ينجح الحراك الشعبي في منع السطو عليه أو اجهاضه وتسليمه في نتائجه لعناصر الاتجاه الأول أي عناصر النظام السابق المكشوفين أو المصعدين بمفهوم تسليم المفاتيح القائم في أكثر من ساحة ليعيدوا إنتاج ذات النظام الذي كان سائدا بأشكال مختلفة وتحت خطابات جديدة ولكن دون تغيير في جوهره.
ظهرت في الآونة الأخيرة مبادرتان، واحدة للباجي قائد السبسي، والثانية للاتحاد العام التونسي للشغل، فإلى أي من المبادرتين تظل حركة البعث أقرب وعلى أي أساس يكون التقارب؟
- لقد قلنا منذ البداية، منذ توقيع اتفاق تقاسم المناصب بين عناصر الائتلاف الثلاثي الحاكم، أن هناك رؤية أحادية تقود هذا الثلاثي، وخاصة حركة النهضة، تم بمقتضاها إقصاء كل القوى السياسية والاجتماعية الفاعلة داخل القطر، وأصبح شعار هذا الثلاثي من ليس معي فهو ضدي، أنظر اليوم رئيس الدولة لم يلتقي إلا بالأحزاب الموجودة داخل المجلس التأسيسي، في تكريس واضح «لسنّة بن علي» في التعامل مع الأحزاب «البرلمانية» ( أي التي لها نواب في البرلمان)، هم يتعاملون مع الطيف السياسي الوطني الواسع بحسابات الأغلبية واللأقلية في المجلس التأسيسي) لذلك نرى أن ما يقع في المجلس التأسيسي اليوم هو بمثابة «فنطازيا دستورية». فنحن في نظام يقوم على تركيز السلطة لفائدة المجلس التأسيسي، وفي نفس الوقت نتحدث عن توزيع للسلطات بل على توزيعها حتى داخل كل سلطة : رئيس دولة/رئيس وزراء.... وبهذه الطريقة يصبح كل تأويل «مشروع» في أن ما يقع ليس إلا توزيع مغانم ونفوذ، ويصبح كذلك بإمكان أي مؤسس (ولا أقول نائب) أن يتموقع في أغلبية وأقلية، فيضرب هكذا عرض الحائط بمحتوى وجوهر الديمقراطية التي تتطلب الاستقلالية والانتصار لفائدة المصلحة العامة، بتقنيات ديمقراطية هي الانتخاب والتصويت ...
عفوًا عن المقاطعة أوّلا وبعيدا عمّا أسميته الفانتازيا الدستورية ثانيا: جوهريا وعمليا، كيف تصفون الممارسة السياسية للنهضة داخل المجلس التأسيسي؟
في الجوهر تبني نظاما (على مستوى الممارسة على الأقل) تسلطيا يتنفذ فيه البعض ويستعمل قوانين حزبية داخلية ليتحكم في بقية أعضاء الحزب (ومثال ذلك العضوة التي خاطبها رئيس المجلس إن كانت موافقة لزميلها الذي سبقها بالكلام، فلا يجب أن تعيد ما قاله، فأجابت أنها توافق زميلها –مسؤولها ورئيس كتلتها في المجلس- على طول وأنها لن تخالفه الرأي مطلقا...) هذه الممارسة مدعاة إلى عدم الاطمئنان، ومدعاة إلى المناكفة والعناد ممن لا يشاطرها الرأي. والضحية الأولى في ذلك هي الديمقراطية، أولا والميثاق السياسي الاجتماعي لتونس الغد، أي الإشراف اليومي على الشأن العام اليوم، والدستور وجملة الأعراف التي ستخلفها هذه الحقبة ثانيا... هذه أمور ظهرت منذ الأيام الأولى بعد انتخابات 23 أكتوبر...وكان من المفروض في اعتقادي أن تقدم كل جهة خيّرة بمبادرتها لتجاوز هذه الرؤية الأحادية في إدارة الشأن العام في تلك الفترة والاتحاد العام التونسي للشغل هو الجهة التي تحظى بمصداقية لدى الجميع وبرصيد نضالي وشعبي مهم كان هو الأجدر التقدم بهذه المبادرة، تأخر الاتحاد ... لظروف كان يمر بها، (مؤتمر طبرقة، ومحاولات التركيع المتعددة التي تعرض لها هو نفسه، وعندما أفصح عن مبادرته، كنا في حركة البعث أول من ساند هذه المبادرة، ولكن قيادة الاتحاد أهملت موقف الحركة بل إنها لم تقم حتى بدعوة الحركة وعرض المبادرة بصفة رسمية، في حين أنها التقت بعديد الأحزاب، وهذا في اعتقادي يسيء لقيادة الاتحاد وليس لحركة البعث، أو ربما عذرها الوحيد هو القراءة السطحية للمشهد السياسي، وبالمناسبة نؤكد لقيادة الاتحاد أن البعثيين موجودون في أغلب الهياكل الوسطية والقاعدية للاتحاد، 5 اتحادات جهوية تضم في قياداتها بعثيين، بالإضافة إلى نقابات عامة وعديد النقابات الأساسية، لكن لأن البعثيين لا يمارسون الخطية الحزبية في العمل النقابي، لا يتكلمون بوصفهم كتلة حزبية، لم تتفطن إليهم قيادة الاتحاد، ناهيك أنها لم تتفطن إلى أن حركة البعث هي بالإضافة إلى أنها من أقدم المقاومين لنظاميْ بورقيبة/بن علي، هي أول حزب سياسي يتحصل على التأشيرة بعد ثورة الحرية والكرامة. أعود لأقول إن حركة البعث هي أول من ساند مبادرة الاتحاد، لأنها وجدت فيها روح مبادرتها التي انبثقت عن مؤتمر الكرامة التأسيسي لحركة البعث 3/5 جوان 2011، ومازلنا ندعم هذه المبادرة، رغم نفاذ الوقت أو يكاد لتفعيلها... أما مبادرة السيد قائد السبسي فهي لم تعد مبادرة، بل أصبحت حزبا سياسيا، نقر بحقه في العمل، ولكن نختلف معه كليا ، ونرى فيه مجرد احتياط لصنّاع القرار الدولي في صورة فشل حكم الائتلاف الثلاثي الحالي، بل هي العصا في وجه هذا الائتلاف حتى ينخرط نهائيا ودون عودة في القبول بما يُحاك ضد أمتنا ووطننا العربي من مشاريع سيطرة وتفتيت وتسهيل اندماج الكيان الصهيوني في محيطه وانسيابية الطاقة لمصانعهم ومدافئهم...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.