يعقد مجلس نواب الشعب يوم الثلاثاء القادم بقصر باردو جلسة عامة يخصصها للنظر في مشروع القانون الأساسي المتعلق بالقضاء على جميع أنواع التمييز العنصري. وقبل الشروع في النقاش العام لهذا المشروع ستتولى لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية المتعهدة بدراسته تقديم تقريرها المفصل حول المقترحات التي تقدم بها ممثلو المفوضية السامية لحقوق الانسان وجمعية «منامتي» وجمعية «تونس أرض الانسان» و«الجمعية التونسية لمساندة الأقليات»، وحول التعديلات التي أدخلتها اللجنة على النسخة الأصلية المحالة عليها من الحكومة. لئن أخذت اللجنة أغلب المقترحات المقدمة لها بعين الاعتبار عند صياغة فصول المشروع فإنها أسقطت مقترح تجريم الجهويات، وكشف تقريرها الوارد في 36 صفحة تباينا في مواقف النواب من التمييز القائم على الأساس الجهوي، اذ قال بعضهم إن التمييز على أساس الجهويات يعتبر من أكبر مظاهر التمييز العنصري في تونس، وشددوا على وجوب التعامل مع هذه الظاهرة التي تشكل خطرا على تماسك المجتمع بجدية، وطالبوا بتجريمها وبزجر مرتكبيها وردع السلوكيات العنصرية القائمة على هذا الأساس. وفي المقابل رأى البعض الآخر أن الجهويات لئن كانت فعلا موجودة في تونس لكنها ليست خطيرة الى درجة تستوجب التجريم. ونظرا لصعوبة الحسم في هذا الخلاف، تم اللجوء الى آلية التصويت على مقترح اضافة التمييز القائم على الأساس الجهوي الى مشروع القانون، ونظرا لأن عدد النواب المعترضين عليه كان أكبر فقد سقط هذا المقترح، ومن المنتظر أن يتم تقديمه من جديد خلال الجلسة العامة. وتضمن مشروع القانون الأساسي المتعلق بالقضاء على جميع أنواع التمييز العنصري 11 فصلا، ونص الفصل الأول في الصيغة المعدلة المحالة على الجلسة العامة على أن هذا القانون يهدف إلى القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري ومظاهره حماية لكرامة الذات البشرية وتحقيقا للمساواة بين الأفراد في التمتع بالحقوق وأداء الواجبات وفقا لأحكام الدستور والمعاهدات الدولية المصادق عليها من قبل الجمهورية التونسية، ويضبط الإجراءات والآليات والتدابير الكفيلة بالوقاية من جميع أشكال ومظاهر التمييز العنصري وحماية ضحاياه وزجر مرتكبيه. ويقصد بالتمييز العنصري وفق ما جاء في الفصل الثاني كلّ تفرقة أو استثناء أو تقييد أو تفضيل يقوم على أساس العرق أو اللون أو الأصل القومي أو النسب أو غيره من أشكال التمييز العنصري على معنى المعاهدات الدولية المصادق عليها والذي من شأنه أن ينتج عنه تعطيل أو عرقلة أو حرمان من التمتع بالحقوق والحريات أو ممارستها على قدم المساواة، أو أن ينتج عنه تحميل واجبات وأعباء إضافية. وفي المقابل لا يعدّ تمييزا عنصريا كل تفرقة أو استثناء أو تقييدا أو تفضيلا بين التونسيين والأجانب على ألا يستهدف ذلك جنسية معينة مع مراعاة الالتزامات الدولية للجمهورية التونسية. أحكام للوقاية والحماية من التمييز العنصري وتضمن مشروع القانون في نسخته المعدلة من قبل لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية أحكاما تهدف الى الوقاية والحماية من التمييز العنصري. فبمقتضى الفصل الثالث تضبط الدولة السياسات والاستراتيجيات وخطط العمل الكفيلة بالوقاية من جميع مظاهر وممارسات التمييز العنصري والتصدّي لها ومكافحة جميع القوالب النمطية العنصرية الدّارجة في مختلف الأوساط كما تتعهد بنشر ثقافة حقوق الانسان والمساواة والتسامح وقبول الآخر بين مختلف مكونات المجتمع. وتتخذ الدولة في هذا الإطار التدابير اللازمة لتنفيذ ذلك في جميع القطاعات خاصة منها الصحّة والتعليم والتربية والثقافة والرياضة والإعلام. وتتولى الدولة بناء على ما جاء في الفصل الرابع وضع برامج متكاملة للتحسيس والتوعية والتكوين لمناهضة جميع أشكال التمييز العنصري في كافة الهياكل والمؤسسات العمومية والخاصة وتراقب تنفيذها. وتضبط ضمن سياساتها الجزائية التدابير التي تمكّن من القضاء على التمييز العنصري لتيسير لجوء الضحايا إلى القضاء ومكافحة الإفلات من العقاب. وتشمل هذه التدابير خاصّة تكوين القضاة ومأموري الضابطة العدلية وإطارات وأعوان السجون والإصلاح. حقوق الضحايا نص الفصل الخامس من مشروع القانون على جملة من الحقوق التي يتمتّع بها ضحايا التمييز العنصري، أولها الحماية القانونية ثم الإحاطة الصحية والنفسية والاجتماعية المناسبة لطبيعة التمييز العنصري الممارس ضدهم بما يكفل أمنهم وسلامتهم وحرمتهم الجسدية والنفسية وكرامتهم وصولا الى تعويض قضائي عادل ومتناسب مع الأضرار المادية والمعنوية اللاحقة بهم جراء التمييز العنصري. وتضمن مشروع القانون في صيغته المعدلة بابا خاصا بالاجراءات، ونص الفصل السادس على ان ترفع الشكاوى ضد كل من ارتكب فعلا أو امتنع عن القيام بفعل أو أدلى بقول بقصد التمييز العنصري على معنى هذا القانون من قبل الضحية أو الوليّ إذا كانت الضحية قاصرا أو غير متمتعة بالأهلية. وتودع الشكاوى المذكورة لدى وكيل الجمهورية المختص ترابيا وترسّم بدفتر خاص. ويكلف وكيل الجمهورية مساعدا له بتلقي الشكايات المتعلقة بالتمييز العنصري وبمتابعة الأبحاث فيها. ويمكن أو تودع الشكاوى لدى حاكم الناحية على أن يعلم وكيل الجمهورية وجوبا حال رفع الشكاية ويضمنها بدفتر خاص ويباشر أعمال البحث فيه بإذن منه. ويتعهد وكيل الجمهورية بالقضية المرفوعة لديه حال ترسيمها ويكلف بأعمال البحث والتقصي فيها مأمورو الضابطة العدلية المكونون خصيصا للبحث في هذه الجرائم والتصدي لمختلف مظاهرها وأشكالها. وتختم أعمال البحث وتحال على المحكمة المختصة في أجل أقصاه شهران من تاريخ رفع الشكوى. تتولى المحكمة المختصة ترابيا وفق ما جاء في الفصل السابع النظر في الشكاوى المرفوعة على معنى هذا القانون بناء على إحالة صادرة عن النيابة العمومية وبالاستناد لما تضمّنته من نتائج وأبحاث. ويمكن للمحكمة في ضوء الإحالة أن تأذن بمزيد التحري بمقتضى أعمال إضافية. عقوبات سالبة للحرية أفردت لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية الجانب الزجري بباب خاص عنوانه في العقوبات المستوجبة، ونص الفصل الثامن الوارد في هذا الباب على أن يعاقب بالسجن من شهر إلى عام واحد وبخطية من خمسمائة إلى ألف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من يرتكب فعلا أو يصدر عنه قولا يتضمن تمييزا عنصريا بقصد الاحتقار أو النيل من الكرامة. وتضاعف العقوبة في الحالات التالية: إذا كانت الضحية طفلا. إذا كانت الضحية في حالة استضعاف بسبب التقدم في السن أو الإعاقة أو الحمل الظاهر أو الهجرة أو اللجوء. إذا كان لمرتكب الفعل سلطة قانونية أو فعلية على الضحية أو استغل نفوذ وظيفه. إذا صدر الفعل عن مجموعة أشخاص سواء كفاعلين أصليين أو كمشاركين. وحسبما جاء في الفصل الموالي، يعاقب بالسجن من عام إلى ثلاثة أعوام وبخطية مالية من ألف إلى ثلاثة آلاف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من يرتكب أحد الأفعال التالية: التحريض على الكراهية والعنف والتفرقة والفصل والعزل أو التهديد بذلك ضد كل شخص أو مجموعة أشخاص أساسه التمييز العنصري. نشر الأفكار القائمة على التمييز العنصري أو التفوق العنصري أو الكراهية العنصرية بأي وسيلة من الوسائل. الإشادة بممارسات التمييز العنصري عبر أي وسيلة من الوسائل. تكوين مجموعة أو تنظيم يؤيد بصفة واضحة ومتكررة التمييز العنصري أو الانتماء إليه أو المشاركة فيه. دعم الأنشطة أو الجمعيات أو التنظيمات ذات الطابع العنصري أو تمويلها. ونص نفس الفصل على ان هذه العقوبات لا تحول دون تطبيق العقوبات الأشد الموجودة في قوانين أخرى كما لا تحول المؤاخذة الجزائية دون القيام بالتتبعات التأديبية. وبناء على أحكام الفصل العاشر تضاعف العقوبة إذا كان مرتكب الأفعال شخصا معنويا، ويكون العقاب بخطية من خمسة آلاف إلى خمسة عشر ألف دينار، ولا يمنع تتبع الشخص المعنوي من تسليط العقوبات على ممثليه أو مسيريه أو الشركاء فيه أو أعوانه إذا ثبتت مسؤوليتهم الشخصية عن الأفعال المرتكبة. وجاء مشروع القانون ليحدث لجنة وطنية لمناهضة التمييز العنصري، تعنى بجمع ومتابعة مختلف المعطيات ذات العلاقة وبتصور واقتراح الاستراتيجيات والسياسات العمومية الكفيلة بالقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، على أن تضبط بمقتضى أمر حكومي كيفية إحداثها ومشمولاتها وتنظيمها وطرق تسييرها وإجراءات عملها وتركيبتها مع مراعاة مبدأ التناصف وتمثيلية المجتمع المدني. وأوجب نفس الفصل على اللجنة الوطنية لمناهضة التمييز العنصري أن تحيل تقريرها السنوي إلى مجلس نواب الشعب.