سئل المترجم التونسي عمار الجلاصي إذا كان قد اطلع على الترجمات التي سبقت ترجمته لكتاب «الحمار الذهبي أو التحولات» لابوليوس -ويوجد منها اثنان، ترجمة من اللغة الفرنسية وأخرى من اللغة الانقليزية- فقال انه لم يطلع على اي منها وان حذقه الجيد وإتقانه للغة اللاتينية أغناه عن ذلك إذ ترجمها مباشرة إلى اللغة العربية. ويعتبر هذا في حد ذاته إضافة نوعية. ولكن مثل هذه الإجابة تطرح سؤال: أيهما الأفضل بالنسبة للمترجم أن يطلع على بقية الترجمات ليستعين بها على الفهم الجيد ويحسنها ويصلح أخطاءها والمقارنة بينها أو أن يتفادى الاطلاع عليها حتى لا يتأثر بأي منها؟ أما السؤال الأهم فهو لماذا يصرّ العرب على إعادة ترجمة نفس الأثر مرات عديدة.. ترجمات قد تخلو كلها من الإضافة النوعية؟ ولماذا نجد قارئا لكل هذه الترجمات ودورا لنشرها في حين ان بعض الكتب الجديدة المكتوبة بلغتنا العربية في نفس الغرض الذي يتناوله الكتاب المراد ترجمته والتي لا تقل أهمية لا تجد لها قارئا؟ تعد ترجمة أي اثر حياة جديدة له ولكاتبه وتسليط أضواء عصر جديد ورؤى جديدة على موضوعه وأسلوبه كتابته بلغة جديدة وثقافة مغايرة ولكن هنالك آثار تعاد ترجمتها بقطع النظر عن أهميتها بنفس اللغة وفي نفس العصر لأسباب من أهمها «التقليد»: ويدخل هذا في باب العادة والتباهي بالقدرة على امتلاك اللغة. و»التشكيك» في أن الترجمة السابقة لم تف الأثر حقه ولم توصله إلى الذهنية العربية: ويدخل هذا في باب التجني على النص الأصلي في أحيان كثيرة. و»الرغبة» في إنصاف النص وكاتبه بتحسين مستوى الترجمة وتقريبها أكثر ما يمكن مما ورد عليه في لغته الأصلية. ولكن إذا تمت إعادة ترجمة نفس الأثر مرات عديدة رغم ان الترجمات السابقة جيدة وفيها نقل أمين وصادق لروح النص الأصلي وتحويل إلى مستوى بلاغة النص بلغته الأصلية إلى اللغة المترجم إليها، فان الأمر يصبح من قبيل التجارة والبحث عن الشهرة أو التقرب من الآخر أو لإرضاء بعض المؤسسات التي كانت تدفع مقابلا للترجمات ويخضع هذا المقابل لأهمية الأثر المترجم. وهكذا يصبح من الأجدر والأحسن لمن يتقن اللغات ويستطيع تحويل النصوص إلى لغته الأم ان ينقل أعمالا مرجعية وجيدة لم تسبق ترجمتها وتحتاجها المكتبة العربية بصفة عامة، وقد تكتشف من بين هؤلاء المترجم عنهم أسماء جديدة وآثارا مفيدة قد يشتهر معها ومثلها مترجمها.. نقول ونحن نعتبر ان الترجمة مهمة في كل الأحوال وأن ترجمة الرواية عملية إبداعية فيها الكثير من الذاتية ومن ثقافة المترجم وذوقه وأهوائه ومدى سعة اطلاعه وإتقانه للغات. أما بالنسبة لكتب الفلسفة والفكر والشعر فلعل كثرة الترجمات وخاصة منها تلك التي تخضع لمنهج علمي واضح لنقل الآثار العالمية تفيد في الغوص في جوهر النصوص وخلفياتها الفكرية والمعرفية وفي عملية المقارنة للوصول إلى كنه فكرة الكاتب الأصلي وتخير الكلمات للتعبير عنها وبالتالي لتوطين النص وتقريبه من وعي القارئ .