مع انطلاق لجنة المالية بالبرلمان في مناقشة ميزانية 2019 بات التحوير الوزاري الذي ينتظره الجميع على الابواب إن لم نقل على مرمى حجر، حيث من المفروض على رئاسة الحكومة حسم هذا الملف قبل الانطلاق في مناقشة الميزانية في الجلسات العامة.. وقد يتم ذلك نهاية الاسبوع الحالي بعد أن تناقش حوله رئيس الحكومة مع مختلف الاطراف.. والثابت أن التحوير الوزاري المرتقب لن يكون عميقا مثلما تتوقع بعض الاطراف التي تنادي برحيل الحكومة برمتها.. وكل تلك الاطراف التي ترى في اجراءات ميزانية 2019 ومشروع قانون المالية مشروعا انتخابيا ليوسف الشاهد ومحاولة لتأييد بقاء حكومته، في المقابل تتمسك أطراف أخرى بما تسميه الاستقرار السياسي ولكن بشروط مبطنة، وتسليط الضغط على يوسف الشاهد وخاصة حركة النهضة، التي يبدو أن التحوير لن يشمل وزراءها الفاشلين، وكذلك ستعطي رأيها في بعض الاسماء المقترحة الجديدة وذلك حتى يتجنب الشاهد سلطتها المطلقة في مجلس نواب الشعب، اذ رغم ما تتعرض له من ضغوطات، ورغم أن المحيط الدولي والاقليمي قد راجع مواقفه تجاه الاسلام السياسي، الا أنها ظلت صامدة محتلة للريادة في المشهد السياسي المحلي بل لديها اوضح فكرة عن التحوير الوزاري، والذي لن يكون الا تحويرا جزئيا باعتبار انه من غير المعقول تغيير جل الحقائب من جهة، بعد أن اكتسب عديد الوزراء الخبرة اللازمة وكذلك انطلقوا في عدة مشاريع إصلاحية سيتم دعمها في 2019 باعتمادات جديدة وغير ذلك.. كما انه ليس في مصلحة أي حكومة تغيير جل حقائبها ونحن على أبواب مناقشة الميزانية وكذلك بات موعد انتخابات 2019 وشيكا.. التحوير الوزاري قد يشهد التحاق أحزاب أخرى على غرار حركة مشروع تونس التي اقترحت ثلاثة اسماء وتنتظر تحويرا جزئيا قد يشمل ست وزارات على اقصى تقدير، منها سد للشغور في وزارة السياحة واعادة بعث وزارة للطاقة، ومن الاسماء المقترحة المتمثلة في العميد السابق للمحامين فاضل محفوظ والدكتور عبد الرؤوف الشريف ووطفة بلعيد قد تشمل وزارات العدل والصحة والشباب والرياضة والتجهيز والنقل وحتى الفلاحة خاصة أن اتحاد الفلاحين غير راض عن سمير بالطيب، ولكن قد تتكفل النهضة بمطلب منظمة الفلاحين بالنظر الى أن جل مكوناتها بعد الثورة منتمية لحركة الشيخ راشد الغنوشي.. في كل هذا الخضم عبر نداء تونس، بعد انصهار الوطني الحر فيه، عن امكانية مشاركته في الحكومة شريطة ألا تكون النهضة طرفا فيها، ماعدا ذلك فان النداء يضغط على وزرائه الحاليين وخيرهم بين الالتزام بالخروج من الحكم تماشيا مع طلب الحزب أو الولاء ليوسف الشاهد، الذي بات مرفوضا في «نداء حافظ»، ثم في «نداء حافظ وسليم الرياحي»، وفات هؤلاء -إن لم نقل إنهم يريدون رمي سلة البيض في مرمى الآخرين- أن تفكك النداء منذ أن بدأ يحكم بعد انتخابات 2014 سبب الازمة السياسية الخانقة التي تعيشها البلاد اليوم، كما أن الصراعات الداخلية للنداء التي تتواصل خاصة بعد رفض عديد الندائيين لانصهار الوطني الحر في حزبهم والتزام عديد النواب الندائيين بدعم الحكومة حتى وان بقوا في كلة النداء دليل واضح على أن معارضتهم لتوجه نداء حافظ والرياحي وكذلك رفضهم الشديد لمساومة وزراء حزبهم، لأنه لا يمكن لأي حزب لم يقم ولو بمؤتمر واحد أن يقود البلاد وأن يملي شروطه على الآخرين.. العجب في التحوير الوزاري المرتقب أن رئيس الحكومة تشاور مع عدة أحزاب ومنظمات وعرض على الجميع المشاركة في التحوير سواء باقتراح أسماء او ابداء الرأي فيها وذلك تماشيا مع مقتضيات تكوين حكومة وطنية تشارك فيها مختلف الاطراف، ماعدا النداء الذي طلب من الشاهد اقصاء النهضة من الحكومة (ولو فعل ذلك لفقد الاغلبية المنطلقة في البرلمان واصبحت حكومته بلا دعائم ولا ركائز) مقابل مشاركته في الحكم، اي ان النداء «الابتر والاعرج» سيصبح الحزب الحاكم بأمره وهو الذي بعد التحاق نواب الوطني الحر به لم يتمكن حتى من احصاء نصف عدد نواب حركة النهضة.. وبما أن فاقد الشيء لا يعطيه وليس للنداء ما يقدمه من اضافة، فانه على رئيس الحكومة ان يعمل على اعداد تحوير وزاري موجه وهادف خاصة في بعض الوزارات التقنية، وبعض المراكز الحساسة بعيدا عن ضغط المحاصصة، وتقديم مقترحات يمكن أن تحظى بإجماع مختلف الأطراف بعيدا عن مناورات بعض الاحزاب، وكذلك من أجل ايجاد مخرج للازمة السياسية الخانقة التي أثرت سلبا على الوضعين الاجتماعي الاقتصادي..