يدخل قطاع الوظيفة العمومية في بلادنا اليوم في إضرابا عام تقرر المضي فيه بعد فشل آخر جلسة حوار بين الأمين العام للمركزية النقابية نور الدين الطبوبي ورئيس الحكومة يوسف الشاهد.. إضراب عام كانت الآمال معلقة على إلغائه في آخر لحظة كما حدث في مناسبات عدة سابقة شهدت - بعد التأزم - توصل الجانبين الحكومي والنقابي بالعمل الدؤوب وبفضل استمرار الاتصالات والمفاوضات الجدية في نهاية المطاف إلى نقاط التقاء وتوافق، غير أن هذه المرة لم تكن كسابقاتها لسبب بسيط وهو انتفاء قاعدة أساسية في عملية التفاوض بين الجانبين ألا وهي قاعدة العرض والطلب والتي تفرض أن تقابل طلبات الطرف النقابي بعروض حكومية حتى وإن كانت دون الحد الأدنى المطلوب بكثير. بل لعل الأدهى والأمر من الرفض الحكومي لتمتيع قطاع الوظيفة العمومية بزيادات في الأجور على غرار القطاعات الأخرى التي تم التوصل إلى اتفاقات معها بهذا الشأن، أنه جاء استجابة للشروط التي وضعها صندوق النقد الدولي لتمكين تونس من القروض التي طلبتها وتحصلت عليها إلى حد اليوم، وهو الأمر الذي شرع الأبواب للتشكيك في مدى استقلالية القرار السياسي للسلطات المؤتمنة على اتخاذ القرارات المصيرية في بلادنا، وخصوصا لجهة رسم السياسات والاجراءات المطلوبة في المجالات الاجتماعية والاقتصادية ذات العلاقة بالمقدرة الشرائية للمواطنين والتي تدهورت بصورة حادة نتيجة ارتفاع حجم التضخم وانهيار العملة المحلية. إنه وفي الوقت الذي يتفهم فيه غالبية التونسيين الصعوبات التي تواجهها حكومة يوسف الشاهد في التصدي للأزمة الاقتصادية المستفحلة والناجمة عن فقدان السيولة اللازمة في ميزانية الدولة للقيام بالاصلاحات المطلوبة في عديد القطاعات، لا يمكنهم قبول أن يدفع الموظفون وغيرهم من العاملين بالفكر والساعد، والذين تقتطع الضرائب مباشرة وأولا بأول من أجورهم إلى الموازنة العامة، لوحدهم ودون المهربين والمضاربين وممارسي الاحتكار ثمن الخيارات الفاشلة للحكومات المتعاقبة بعد ثورة الرابع عشر من جانفي 2011. هذا هو في تقديرنا مغزى الرسالة التي سعى الاتحاد العام التونسي للشغل لتوجيهها إلى السلطات الرسمية من خلال إضراب اليوم في الوظيفة العمومية، وهو إضراب عام يرجح أن تتلوه خطوات تصعيدية أخرى أكثر اتساعا وشمولا في حال بقاء الأمور على ما هي عليه من مأزق. خطوات تصعيدية لا نشك لحظة في أنها ستدخل البلاد في نفق مظلم أكثر خطورة منه الآن، ولا بد من العمل على تفاديها، وهو أمر يستوجب قيام حوار وطني جاد ومسؤول تطرح فيه كل الاشكاليات الاجتماعية وينبثق عنه عقد اجتماعي طويل الأمد نسبيا.