«إن أمن ورفاهية الولاياتالمتحدة معرضان لخطر أكبر من أي خطر سابق منذ عقود، « هكذا يقول تقرير صادر عن لجنة من الكونغرس الأمريكي في إشارة إلى تراجع القوة الدفاعية للولايات المتحدةالأمريكية. وقد قامت هذه اللجنة المكونة من كبار المسؤولين الجمهوريين والديمقراطيين السابقين الذين اختارهم الكونغرس، بتقييم إستراتيجية الدفاع الوطني لعام 2018 التي وضعتها إدارة ترامب، والتي أمرت بإعادة تشكيل الجيش الأمريكي على نطاق واسع للتنافس مع بكينوموسكو في حقبة جديدة من الصراع على التسلح. ويعتبر التقرير –الذي اطلعت عليه «الصباح الأسبوعي» أن التفوق العسكري للولايات المتحدة قد تآكل إلى درجة خطيرة بل يذهب إلى حد التحذير من أنه إذا لم تتحرك الولاياتالمتحدة على الفور للتعامل مع هذه الوقائع فإن العواقب ستكون خطيرة. ويرى التقرير أنه منذ الحرب العالمية الثانية قد نجحت واشنطن من خلال استثماراتها العسكرية. وخلقت قوة ردعية مكنتها من تجنب صراعات عسكرية. بل كانت قوة عسكرية لا غنى عنها لتحقيق السلام والاستقرار في العالم. واليوم يعتبر التقرير أن هنالك مخاطر حيوية تهدد حقيقة مصالح الولاياتالمتحدة تتمثل بالخصوص في سعي الخصوم الرئيسيين وهما الصينوروسيا إلى توسيع هيمنتهما إضافة إلى تحييد نقاط قوة الولاياتالمتحدة. هذا إلى جانب تطوير عدد من الدول لأسلحتها مثل إيرانوكوريا الشمالية وما يسميه التقرير تطور الجماعات الإرهابية حول العالم وتعددها إضافة إلى انتشار التكنولوجيا المتقدمة. تقويض القوة الردعية الأمريكية أما حول من يقف وراء هذا التراجع فهو يتعلق بالأساس بما يسميه التقرير الخلل السياسي والقرارات التي اتخذها الحزبان الرئيسيان الديمقراطي والجمهوري خاصة منها قانون مراقبة الميزانية لسنة 2011 وعدم تفعيله في الوقت المناسب مما أضعف أمريكا بشكل دفاعي كما يقول التقرير. ويشير التقرير إلى أن «الموازين العسكرية الإقليمية في أوروبا الشرقية والشرق الأوسط وغرب المحيط الهادئ قد تحولت سلبيا» وهو ما يؤدي إلى تقويض القوة الردعية للولايات المتحدة وتزيد في الوقت ذاته من احتمالات الصراع العسكري. وهكذا يعتبر التقرير أن الجيش الأمريكي يمكن أن يعرف خسائر كبيرة في صراعاته القادمة. ويرى أنه قد يكافح وربما يخسر حربا ضد الصين أو روسيا. فالولاياتالمتحدة بحسب التقرير معرضة لمخاطر مختلفة مما يمكن أن يجعلها تقاتل على أكثر من جبهة في وقت واحد وهو ما من شأنه أن يضعف قدراتها الدفاعية. وفي الآن ذاته يتحدث ا التقرير عن إمكانية تزامن ذلك مع حرب سيبيرنيقية أو أنواع أخرى من الهجمات التي يمكن أن تتعرض لها الولاياتالمتحدة في الداخل في الوقت الذي يقاتل فيه الجيش في الخارج. خاصة وأن مختلف الحروب التي تخوضها الولاياتالمتحدة كما هو معروف تخوضها خلف البحار حيث يكون مسرح الصراع خارج الأراضي الأمريكية. ويبرز التقرير أن التفوق العسكري للولايات المتحدة لم يعد مضمونا وانعكاساته على المصالح الأمريكية والأمن الأمريكي شديدة. أما عن استراتيجية الدفاع الوطني لعام 2018 والتي تعتمدها إدارة ترامب والتي أنشئت هذه اللجنة في الكونغرس لتقييمها، فإن التقرير يرى أنها تمثل خطوة أولى بناءة لمواجهة هذه الأزمة. ولكن التقرير يشير في الآن ذاته إلى أن ما يعاب على الاستراتيجية هو اعتماها على الافتراضات والتحليلات الضعيفة. مكافحة الإرهاب والمتمردين ويرى التقرير أن هنالك عديد التحديات الجديدة التي شغلت الولاياتالمتحدة وأضعفت الموازين العسكرية الإقليمية منها خاصة تركيز الاستراتيجية الدفاعية الأمريكية على مكافحة الإرهاب والمتمردين في الوقت الذي يشير فيه إلى أن أعداء الولاياتالمتحدة قد أعدوا طرقا جديدة لهزيمة القوات الأمريكية وتتراجع القدرات الأمريكية في مجالات الصراع رئيسية مثل الدفاع الجوي والصاروخي والحرب المضادة للغواصات والحرائق الأرضية الطويلة المدى والإلكترونية وغيرها.. ويعتبر التقرير أن الولاياتالمتحدة تحتاج أكثر من مجرد قدرات جديدة. بل تتطلب توجهات عملية تسمح بتوسيع خيارات الولاياتالمتحدة وتقليص خيارات خصومها في الصينوروسيا. أجواء شبيهة بالحرب الباردة وحول هذا الموضوع نقلت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية على سبيل المثال عن مسؤولة سابقة بوزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون زمن إدارة أوباما تتحدث عن أن «هناك خوفا شديدا من الرضا عن النفس، وقد أصبح الناس معتادين على تحقيق الولاياتالمتحدة لما تريده في العالم، بحيث لا يلتفتون إلى علامات التحذير». ويتناول التقرير بالأساس مسألة عدم تحصل القوات الدفاعية والأمنية الأمريكية على التمويلات والموارد اللازمة حتى تتمكن من الحفاظ على مرتبتها المتقدمة عسكريا مقارنة بخصومها وأعدائها. وهي موارد تحتاجها الولاياتالمتحدة من أجل الحفاظ على هيمنتها في وقت تتحدث فيه «واشنطن بوست» عن أجواء شبيهة بالحرب الباردة. البيئة الأمنية الأكثر تحديا بعد الحرب الباردة، واجهت الولاياتالمتحدة بيئة آمنة نسبيا بحسب التقرير. وقد بقيت هناك تحديات خطيرة لمصالح الولاياتالمتحدة مثل هجمات 11 سبتمبر 2001 على سبيل المثال. ولكن التوترات بين القوى الكبرى في العالم بقيت منخفضة أما الجهات التي هددت الولاياتالمتحدة تلك التي يسميها التقرير بالدول المارقة أو المنظمات الإرهابية فقد كانت نسبيا ضعيفة. ولكن اليوم يرى التقرير أن الولاياتالمتحدة تواجه البيئة الأمنية الأكثر تحديا منذ عقود. أولا، والأكثر أهمية، هو صعود ما يسميهم التقرير منافسين سلطويين أقوياء هما الصينوروسيا والذين يرون قيادة الولاياتالمتحدة كحاجز أمام طموحاتهم. هذه الدول تسعى كما ترى اللجنة إلى قلب الموازين الإقليمية الحالية للسلطة و إعادة خلق مناطق النفوذ تسمح لها بأن تسيطر على جيرانها على اعتبار أنهم يسعون لإظهار القوة وممارسة النفوذ خارج محيطهم. الصين.. التحدي المرعب ويرى التقرير أن التحدي الذي تمثله الصين مرعب بشكل خاص، معتبرا أنه من الطبيعي أن تمارس الصين نفوذا أكبر مع نمو قوتها وصعود الصين سيشكل تحديات لأميركا والعالم. إذ يصف التقرير صعود الصين بأنه يتم بطرق غير مشروعة ومزعزعة للاستقرار. إذ تستخدم الصين إجراءات عسكرية وشبه عسكرية ودبلوماسية لإكراه حلفاء الولاياتالمتحدة وشركائها على القيام بإجراءات تخدم مصالحها وتقويض موقف الولاياتالمتحدة في شرق وجنوب شرق آسيا. وهي تستخدم قوتها لإضعاف منافسيها بما في ذلك الولاياتالمتحدة، والتمكن من نفوذ استراتيجي حاسم على جيرانها. ويستعرض التقرير تطور القوة الدفاعية الصينية إذ يشير إلى أن الصين استثمرت في أنظمة مصممة لمواجهة قوة العرض الأمريكي و وبالتالي منع الولاياتالمتحدة من حماية حلفائها وشركائها والمصالح الاقتصادية. الصين أيضا عملت تحديث قوتها النووية، وتطوير إمكاناتها العسكرية المختلفة. الصين تقدم بالفعل اختبارا شديدا لمصالح الولاياتالمتحدة في المحيط الهادي الهندى وما وراءها وعلى طريق لتصبح بحلول منتصف القرن كما يتنبأ التقرير المنافس العسكري الذي لم تواجه أمريكا مثله منذ الاتحاد السوفياتي في حقبة الحرب الباردة. أما الخطر الثاني الذي باتت دفاعات الولاياتالمتحدة ضعيفة أمامه بحسب التقرير فهو روسيا حيث يعتبر أن موسكو تسعى إلى الهيمنة والتأثير في محيطها. ويشير إلى أن موسكو قامت بغزو وتقطيع الدول المجاورة لها، واستخدام الحرب الالكترونية وغيرها من التكتيكات لمهاجمة الدول الديمقراطية والأنظمة السياسية واعتمدت التخويف العسكري لتقويض وإضعاف حلف شمال الأطلسي و الاتحاد الأوروبي. ويشير التقرير إلى أن روسيا قد تدخلت عسكريا في سوريا لتعزيز نظام بشار الأسد الذي يصفه بالوحشي واستعادة النفوذ المفقود في الشرق الأوسط، مع دعم العديد من الحكومات الاستبدادية الأخرى. عبر هذه المبادرات ، أظهر نظام بوتين نزعة للقيام بالمجازفة تدعمها قوة عسكرية معززة، كما يقول التقرير. أما بدرجة ثانية فيشير التقرير إلى من يعتبرهم يمثلون منافسين إقليميين عدوانيين للولايات المتحدة مثل كوريا الشمالية و إيران والحديث عن توسيع قدراتهم العسكرية بما يتفق مع جيوسياسياتهم الطموحة. وغيرها من التحديات الأخرى التي يبدو أن الولاياتالمتحدة باتت ضعيفة امامها. يتحدث بذلك تقرير لجنة الكونغرس الأمريكي عن تحولات في موازين القوى والقدرات الدفاعية للقوى الكبرى في العالم تلك التي تتجاوز طموحاتها السياسية حدودها الجغرافيا بما فيهم بطبيعة الحال الولاياتالمتحدةالأمريكية –شرطي العالم- هذه التحولات تضع الشرطي في حالة ضعف لم يشهدها منذ عقود في وقت يتدعم فيها نفوذ خصومه وأعدائه ولكن بالرغم من أن هذا الطرح قد يذكرنا بعدد واسع من المنظرين الأمريكيين الذين يتوقعون انهيار القوة الأمريكية وتراجع هيمنتها في العالم فإن كتابا ومحللين كانت لهم تجارب سابقة في البيت الأبيض والبنتاغون يعتبرون أن هذا الطرح التشاؤمي يتطلب قرونا ليتحقق وأنه مازال أمام الولاياتالمتحدة عقود من الزمن تسيطر فيها على العالم. ولكن ذلك لا ينفي أن تراجع القوة الدفاعية الأمريكية سينعكس على هذا النظام العالمي الجديد الذي تسعى أمريكا لتنفيذه.