صادق مجلس نواب الشعب خلال جلسته العامة المنعقدة أمس بقصر باردو على مشروع قانون المالية لسنة 2019، وذلك بعد صراعات كبيرة بين كتله البرلمانية، وبعد تجاذبات سياسية حادة حول مقترحات التعديل المتعلقة بصندوق الكرامة، وهي مقترحات فتحت جراح الماضي. وإثر استكمال التصويت على الفصول المقدمة من الحكومة، اختلط الحابل بالنابل عند النظر في الفصول الاضافية وعرضها على التصويت، وعرت مداخلات النواب المشحونة بالضغائن، توافقاتهم المزعومة وتحالفاتهم الهشة. وكان من بين القصول التي أثارت جدلا واسعا بين النواب مقترح فصل حكومي إضافي صلب مشروع قانون المالية لسنة 2019 يتعلق بترفيع نسبة المعاليم الديوانية الموظفة على توريد الدراجات النارية المدرجة بالبند التعريفي 87.11 على ان توظف نسبة 30% كمعاليم ديوانية على عدد من انواع الدراجات النارية الموردة، وقد تمت المصادقة عليه في نهاية المطاف بأغلبية 108 أصوات مع اعتراض 8 نواب واحتفاظ 25 نائبا بأصواتهم. يشار إلى أن مصادقة مجلس نواب الشعب مساء أول أمس على فصل جديد في قانون المالية لسنة 2019، يقرّ مساهمة استثنائية بنسبة 1 بالمائة على معاملات البنوك وشركات التّأمين والبنوك والبترول والاتصالات، لصالح الصناديق الاجتماعية، قد أثارت انتقادات بعض الهياكل المهنية المعنية ومنها الجامعة التونسية لشركات التأمين والجمعية المهنية التونسية للبنوك والمؤسسات المالية. وقد استغربت الجامعة التّونسية لشركات التأمين، إقرار «مساهمة استثنائية 1 بالمائة على معاملات شركات التّأمين... لصالح الصناديق الاجتماعية»، دون التّشاور المسبق مع القطاع في إطار السياسة التّوافقية بين مختلف الأطراف الاجتماعية في ظرف يشهد فيه قطاع التأمين ضغوطات عدّة على المستوى الوطني والدولي علاوة على تأثير انزلاق الدينار على كلفة الحوادث، وفق بلاغها، الاثنين. وأكّدت الجامعة رفضها للمساهمة الاستثنائية المعلنة، معلّلة ذلك بانها لا يمكن ان تكون استثنائية، والحال أنّها تشمل 2019 والسنوات الموالية، وهو ما سيمثل عبئا متواصلا على شركات التأمين. وبينت انه لا يمكن تحميل قطاع التأمين عبء تمويل عجز الصناديق الاجتماعية خاصة وأنه ما فتئ يقوم بدور هام في مجال التأمينات الاجتماعية التكميلية للأنظمة القانونية. وتابعت، انه لا يمكن تعميم اقتطاع «مساهمة استثنائية» على رقم المعاملات الجملي نظرا لخصوصية بعض فروع التأمين كالتأمين على الحياة وتكوين الأموال. ورأت الجامعة التونسية لشركات التأمين، أنّ الاعتماد النهائي لهذه المساهمة سيؤدي، حتما وبصورة آلية، الى التّرفيع في أقساط التأمين، داعية مجلس نواب الشعب الى مراجعة هذا القرار وإلغاء هذه المساهمة تفاديا لكل هذه الانعكاسات السلبية على قطاع التأمين والقطاع المالي بصفة عامة. وعبّرت الجمعية المهنية التونسية للبنوك والمؤسسات الماليّة، من جانبها، في بلاغ، الاثنين، عن رفضها للفصل الاضافي الذي أقرّه المجلس في مشروع قانون المالية للعام المقبل، معتبرة انه سيعمق من الاداءات المفروضة على المؤسسات المالية. وطلبت الجمعيّة بشكل ملح من المجلس مراجعة موقفه وإلغاء هذا الفصل، الذّي لم يتم التّشاور بشأنه، لتميكن البنوك والمؤسسات المالية من مواصلة مهامها في تمويل الاقتصاد وجهودها لدعم أسسها الماليّة. وتأتي هذه المساهمة، وفق الجمعيّة، متعارضة مع الاستراتيجية التي اقرت في اطار التوافق الذي نص على عدم ادماج اجراءات جديدة، ضمن قانون المالية لسنة 2019، تؤدي الى ترفيع في الاداءات المطبقة على القطاع المصرفي والمالي، وهي مستويات مرتفعة جدا. وسيفضي ذلك الى بلوغ الضغط الجبائي للقطاع، مستوى قياسي جديد، يعدّ من بين الارفع في العالم. وبيّنت الجمعية ان الزّيادة جاءت في وقت يمر فيه القطاع المصرفي والمالي، بظرف صعب متسم، اساسا، بتواصل نقص السيولة بسبب، تحويلها الى السوق الموازية والتأثير السلبي لعجز الميزان التجاري الهام. ولفتت إلى أنّ معالجة عجز الصناديق الاجتماعية، الذي رأت فيه مبررا غير مقنع لاقرار هذه المساهمة الاستثنائية، يتطلب اصلاحات هيكلية عميقة، هي موضوع مشروع قانون معروض للنقاش، حاليا، على اللجان المختصة في مجلس نواب الشعب. وأقرت جلسة الليلة قبل الماضية مقترحا تقدم به النائب سالم الابيض، بأكثر من 80 صوتا في حين عارضه أكثر من 60 نائبا. ووصف الخبير المحاسب وليد بن صالح في تصريح ل«وات» أمس هذا الاجراء ب«العشوائي غير المدروس والشعبوي وستكون له انعكاسات جد سلبية على أرباح الهياكل المعنية، التي يمكن أن تنعكس، في النهاية، على الأسعار والتكاليف، التي تقرها هذه المؤسسات». واعتبر بن صالح ان العبء سيكون ثقيلا بالنسبة للشركات النفطية، التي ستشهد هامش الربح لديها يتقلص بشكل هام، بالنظر الى ان اسعارها مؤطرة. إسقاط مقترحات لكتلة الجبهة الشعبية وكان مجلس نواب الشعب قد أسقط مساء أمس عددا من الفصول التي تقدمت بها كتلة الجبهة الشعبية على غرار «احداث حساب خاص بالخزينة تحت اسم الصندوق الوطني للمساعدة والبحث عن عمل» وتشريع اخر ينص على وجوب اقرار «مساهمة تضامنية اجتماعية على الصفقات العمومية واللزمات». وشكلت هذه المقترحات الفصول الاضافية لمشروع قانون المالية لسنة 2019، التي حملت أرقام 57 و59 و60 و61، تلتها فصول اخرى لم توافق عليها الجلسة العامة مما يجعل عدد الفصول المقترحة تتخطى 70 فصلا اي ما يعادل النسخة الاصلية التي تقدم بها الطرف الحكومي وتم الانتهاء منها خلال الجلسات السابقة. وتندرج هذه المقترحات في اطار الخانة الاجتماعية والتشغيل اضافة الى مجالات الفلاحة على غرار مقترح احداث صندوق للاضرار الفلاحية تقدم به النائب فيصل التبيني ومجموعة اخرى من النواب. كما أسقط في الليلة السابقة أسقط المجلس عددا من مقترحات الفصول الأخرى المتعلقة بفتح حسابات خاصة بالخزينة من بينها صندوق رقمنة الادارة وفتح حساب خاص تحت اسم صندوق الكرامة ورد الاعتبار لضحايا الاستبداد واحداث صندوق التمييز الايجابي واللامركزية وصندوق تشريع انجاز المشاريع العمومية وصندوق تحسين الخدمات الصحية. وكان النائب المندر بلحاج علي، قد تولى الدفاع عن اغلب تلك المقترحات التي لم تحصد الاصوات الكافية لتمريرها في وقت اشار فيه النائب حسونة الناصفي إلى أن بلحاج علي قدم عددا من فصول لاحداث الصناديق والحسابات لكنه لم يخصص لها الموارد ولا الاليات تسييرها». وقال المنذر بلحاج علي أن هذه الصناديق والحسابات يمكن احداثها بمقتضى القانون الاساسي للميزانية مشيرا الى ان تونس سيتعين عليها تقليص موظفي القطاع العام ولن تواجه تونس بذلك ضغوطات خارجية وذلك إبّان حدثيه عن الصندوق الخصوصي لعقلنة التوظيف في الوظيفة العمومية والقطاع العام، الذي اسقط هو الاخر من قبل المشرعين. كما أسقط المجلس أيضا مقترحات صناديق اخرى من بينها صندوق تنمية القدرة التنافسية للتصدير وتجديد الاجيال الصناعية وصندوق آخر لمقاومة الفقر الذي بين بالحاج انه سيسهم في حماية اصحاب الدخل المحدود والضعيف. ولم يمرر المجلس، ايضا، مقترح احداث صندوق تحسين الخدمات القضائية.