تتواتر الاحداث بشكل متواتر قبل أيام على انتهاء السنة الراهنة 2018 معلنة عن تطورات مرتقبة في المشهد السوري وهي بالتاكيد تطورات لا تتوقف عند اعلان الرئيس الامريكي سحب قواته من هذا البلد في غضون مائة يوم .. ولاشك أن من فاجأهم قرار الرئيس الامريكي أسقطوا من ذاكرتهم ما كان ترامب أعلنه خلال حملته الانتخابية تحت شعار «أمريكا أولا» و هو الذي روج وقبل فوزه بالرئاسة بأنه سيعيد القوات الامريكية الى بلده أسوة بما كان سلفه باراك أوباما ذهب اليه عندما أعلن سحب القوات الامريكية من العراق... عودة سوريا الى المشهد العربي عنوان يفرض نفسه اعلاميا وديبلوماسيا رغم غياب الموقف السياسي الرسمي لنفي أو تأكيد هذه العودة التي قد يعود القرار بشأنها ظاهريا لجامعة الدول العربية ولكنه قد يعود فعليا الى قوى اقليمية ودولية قد تعتبر أن الوقت لم يحن بعد لهذه العودة وأن الرئيس السوري لم يدفع حتى الان الثمن المطلوب لهذه العودة.. وقد بدأ الكونغرس الامريكي وفي سابقة خطيرة لا تخلو من وقاحة معلنة واستهتار بالقانون الدولي وحق الشعوب في تقرير المصير يسعى للتصويت لفرض سيادة الكيان الاسرائيلي على الجولان المحتل .. ومع ذلك فان المقصود بهذه التطورات مرتبط بسيناريوهات احتمال عودة سوريا الى البيت العربي أو على الاقل ما بقي منه لاستعادة موقعها في جامعة الدول العربية المنكوبة.. وقد عاد الحديث عن هذا الاحتمال ليطفو على السطح خاصة مع الاستعدادات المعلنة لتنظيم حدثين عربيين أولهما موعد القمة التنموية الاقتصادية في دورتها الرابعة التي تعقد الشهر القادم ولاول مرة في بيروت والتي ستكون المحرار للحدث الثاني ممثل في القمة العربية التي ستحتضنها تونس في مارس القادم واستقبال بلادنا هذا الاسبوع السفير حسام زكي نائب الامين العام لجامعة الدول العربية وانطلاق الاستعدادات اللوجستية لاحتضان هذا الموعد.. كل ذلك فيما تتواتر التكهنات والقراءات بشأن تنسيق تونسي جزائري لتهيئة الارضية لعودة سوريا الى البيت العربي أو ما بقي منه ومحاولة جمع الصفوف وربما تجاوزالشروخ العميقة التي أحدثتها الاهتزازات والصراعات التي تمر بها المنطقة منذ انطلاق موسم الربيع العربي.. وفي انتظار أن تتضح الرؤية بشأن ما يتردد عن زيارة وشيكة لوزير الخارجية السوري وليد المعلم الى تونس يبقى الارجح أن الصورة العائلية لقمة بيروت قد تحمل في طياتها الكثير عن توجهات رياح سفينة القمة القادمة في تونس وما قد يسبقها من جهود بين الرئيس الباجي قائد السبسي والرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة والمصري عبد الفتاح السيسي تمهيدا لهذه العودة.. طبعا سيكون من السابق لاوانه اعتبار أن الازمة السورية باتت من الماضي والحال أن سوريا لا تزال ساحة مفتوحة للصراعات الدموية والاستنزاف والخرارب والدمار وأن المشهد السوري يتجه الى الانفراج طالما أن مشروع الحل السياسي بين الفرقاء لا يزال بعيد المنال وطالما أن مشروع الدستور مؤجل وطالما لا يزال القرار السوري مصادر. لاخلاف أن الاهم بالنسبة للسوريين اليوم يتمثل في وقف النزيف والتوجه لاعادة اعمار ما تهدم واعادة توطين المهجرين والمشردين.. ومع ذلك فان مسألة عودة سوريا من عدمه الى الحضن العربي مسألة مصيرية لن يكون بالامكان تأجيلها الى ما لا نهاية وسيكون لزاما على الدول الرافضة لهذه العودة أن تتأمل المسألة بواقعية وأن تدرس بدقة تداعيات عودة سوريا وتداعيات بقاءها معزولة عن محيطها العربي وتأثيرات ذلك أمنيا واجتماعيا وسياسيا.. عودة سوريا الى الجامعة العربية بعد قطيعة استمرت سبع سنوات مسألة لا تقبل مزيد التأجيل ومن المهم بحثها بدقة مهما كان مصير الاسد الذي بات واضحا أن رحيله عن السلطة لن يكون غدا وأن أغلب القوى الدولية باتت مقتنعة بذلك.. ندرك جيدا أن عودة سوريا قد تزعج بعض العواصم العربية لا بسبب ملف الحريات وحقوق الانسان الذي لا موقع له بالنسبة لها ولكن بسبب ملف التسفير وما سيكشفه من أسرار بشأن الاطراف والشبكات والحركات التي مولت ونظمت ودفعت الى تسفير المقاتلين الى سوريا وملف العائدين وما يفترضه أيضا من سيناريوهات بعد كل الجراءم التي ارتكبت في الموصل وفي الرقة على يد التنظيمات الارهابية وتنظيم «داعش» تحديدا .. ليس من الواضح أين ستقف الجهود حتى لا يكون مقعد سوريا شاغرا في القمة القادمة.. ولكن الواضح وفي قراءة عميقة لشيخ المعارضين في سوريا رياض الترك الذي عاش معارضا في ظل حكم الاسد الاب والاسد الابن وخبر السجون السورية طويلا ان الثورة السورية أضاعت البوصلة منذ اليوم الاول الذي تم فيه أسلمة المواجهات وتذخل القوى الدولية في تحركات الشارع الاسوري لتتحول الى حرب اهلية تحولت الى أزمة دولية تدار بالوكالة.. شهران يفصلان بين قمة بيروت الاقتصادية مطلع العام القادم تحت شعار»الانسان محور التنمية» وبين القمة السياسية العربية في تونس... وسيظل السؤال الاكثر الحاحا خلال الحدثين لماذا تتقدم كل شعوب العالم ولماذا يستمر سقوط العرب.. وربما تتوفر الاجابة بتحقق بوادر النهضة العربية المنشودة يوم تتوقف جامعة الدول العربية عن لعب دور حائط المبكى الذي يجتمع حوله القادة العرب لالتقاط تلك الصورة التقليدية التي تختزل عمق الجراح الذي يمزق الجسد العربي الموبوء بأيدي أبنائه ...