ترفض السنة الراهنة 2018 أن تطوي آخر صفحاتها دون مزيد الاهتزازات المدوية، طبعا الأمر لا يتعلق بموجة التسونامي الجديدة التي هزت أندونيسيا مجددا مع تجدد غضب الطبيعة وما آل إليه الأمر خلال الساعات القليلة الماضية من ماس وجروح في تكرار مأساوي لحادثة السفينة الأمريكية تيتانيك الشهيرة والتي تكررت بالأمس في مشهد مختلف مع غرق سفينتين كانتا تقلان أعضاء الفرقة الموسيقية الشعبية لاندونيسيا والذين رحلوا في أحد المعزوفات الفتية الأكثر ألما وحزنا.. ولكن الأمر يتعلق أيضا بموجة التسونامي السياسي الذي يرفض أن يهدأ والذي امتد هذه الأيام إلى قلب السودان ليهز عرش الرئيس السوداني عمر البشير الذي قضى في السلطة نحو ثلاثين عاما والذي يواجه اليوم واحدة من أسوأ الموجات الاحتجاجية في البلاد .. لا خلاف اليوم أن المشهد السوداني لا يزال محاطا بالكثير من الغموض ورغم أن الكثيرين يعتبرون أن مسيرة الرجل تلتقي في كثير من جوانبها بمسيرة الرئيس اليمني الراحل عبد الله صالح.. ولكن مع اختلاف مهم أن صالح عندما تمت الإطاحة به لم يكن اليمن خسر نصف مساحته أو عاد إلى الانفصال الى يمن شمالي وآخر جنوبي ... قد يكون من السابق لأوانه قراءة السيناريو المرتقب في السودان على وقع نهاية عام يمضي ولكن الأرجح أن عقلية الحاكم العربي لا يبدو مطلقا أنها تجيد قراءة الأحداث والاستفادة من الوقائع و الدروس.. قبل أسبوع فأجا الرئيس عمر البشير الرأي العام بزيارة إلى دمشق هي الأولى لرئيس عربي منذ اندلاع الأزمة السورية.. وربما استشعر البشير أحداث الغضب الشعبي نتيجة الاحتقان المتفاقم بسبب ارتفاع ثمن رغيف العيش وتردي ظروف الحياة وربما أراد بتلك الخطوة توجيه رسالة إلى حلفائه من تركيا الى دول التعاون الخليجي الذين انتظر منهم دعما لم يأت لتعزيز الموازنة ومزيد الاستثمارات في البلاد.. وربما أراد أن تكون زيارته منطلقا لحملة انتخابية جديدة للفوز بولاية سادسة وربما سابعة تضاف الى العقود الثلاثة التي قضاها في السلطة وتجنب استمرار ملاحقة الجنائية الدولية له ورفع بلاده من قائمة الدول الإرهابية .. ويبدو أن حسابات البشير قد سبقتها التحركات الشعبية التي تدخل يومها السادس على التوالي منذرة بمزيد إنهاك سلطة البشير الذي يعول على نجاح عدد من النواب في إطلاق مبادرة لتحوير الدستور وضمان بقائه في السلطة وهو أيضا ما تفطن إليه زعيم المعارضة الصادق المهدي الذي سجل حضوره واختار العودة إلى السودان في خضم التوتر الحاصل وهو يدرك أن غريمه لن يتجرأ في هذا الظرف على إيقافه أو سجنه .. ربما اعتبر الكثيرون أن السودان على موعد مع ربيع عربي تأخر في الوصول إلى هذا البلد، والحقيقة أن ما يحدث اليوم في السودان حيث يرتفع عدد ضحايا الاحتجاجات كل يوم من شأنه أن يؤكد عجز العقل العربي على الاستفادة من الأحداث واستباق الأخطار .. ما يحدث في السودان من غضب شعبي على الكرامة المهدورة ورغيف الخبز المفقود إشارة للإنهاك المستمر للشعوب التي وجدت لتكون في خدمة حكامها وليس العكس.. المؤسف في المشهد السوداني الراهن أن البشير الذي قضى أكثر من ثلاثين عاما في السلطة بعد انقلاب عسكري انتهى به المطاف اليوم ليكون رئيسا على نصف السودان الذي أقسم بالحفاظ عليه وحمايته قبل أن يقبل بصفقة الاستفتاء على استقلال جنوب السودان ويتحول البلد إلى سودان شمالي مسلم وسودان جنوبي مسيحي.. ويتحول أحد أغنى الدول الإفريقية بثرواته الطبيعية إلى بلد الأحياء فيه أموات نتيجة الصراعات الدموية والقبيلة التي لا تنتهي.. موسم الاحتجاجات في السودان ليس بالأمر الجديد وغالبا ما تنتهي بالقمع وإطفاء لهيب الاحتجاجات إلى أن يحدث ما يؤججها مجددا... مصيبة البشير وأمثاله ممن قضوا عقودا في السلطة أنهم يرفضون الاستماع الى الأصوات المطالبة بالتغيير ويرفضون الانتباه الى التحولات المتسارعة في العالم وفي الشارع العربي الغاضب.. قد يرحل البشير كما رحل غيره من الحكام العرب خلال هذا العقد وقد ينجح في تجنب التسونامي الحاصل ولكن سيتعين عليه ان يبحث لنفسه عن خطاب غير خطاب المؤامرة في مواجهة ما يحدث في السودان الممزق جغرافيا وشعبيا وثقافيا وحضاريا.. بالأمس قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لنظيره التركي بعد إعلان سحب قواته من سوريا «سوريا كلها لك «.. ولا ندري ما سيقوله ترامب في السودان بعد أن يهدا التسونامي السياسي في هذا البلد الذي تتطلع إليه أنظار تل أبيب لمواصلة الاختراق الحاصل فيه ومنه إلى بقية الدول الإفريقية.. ألم نقل إن عقلية البشير لم تقرأ بعد تداعيات أحدث الربيع العربي ...