لم يكن وضع الفن الرابع في تونس في 2018 مختلفا كثيرا عما كان عليه في السنوات الأخيرة في مستويات عديدة، خاصة في ظل عدم الحسم وتحيين المنظومة التشريعية والقوانين المتعلقة بالهياكل وسير القطاع ككل وتواصل العمل بقوانين «قديمة» لم تعد تتماشى مع متطلبات العصر والمرحلة، بما في ذلك القانون المتعلق بالفنان والمهن الفنية الذي لا يزال معلقا فضلا عن عدم توفر قوانين تنظم سير عمل الهياكل ذات علاقة بالقطاع وأبرزها مراكز الفنون الدرامية والركحية وتواصل الإشكالات المتعلقة بالدعم في الوقت الذي طالب فيه أهل القطاع بضرورة الترفيع في هذه القيمة لعدة اعتبارات وتغيير المنظومة والطرق التي تعتمدها وزارة الشؤون الثقافية في التعاطي مع هذا المجال. في المقابل لا ينكر أهل المسرح والعارفين بشؤون هذا القطاع ما سجله من ديناميكية وتطور وتغيير في مستويات مختلفة خلال نفس الفترة ولكنها تغييرات لا تعكس ما تتوفر عليه الساحة من قدرات وكفاءات من مختلف الأجيال قادرة على تقديم الأفضل ووضع المسرح التونسي في مراتب ومكانة أفضل على المستويين الإقليمي والعالمي خاصة بعد شبه إجماع وتوافق أهل القطاع على ضرورة الالتفاف من أجل الإصلاح ودفع المشاريع والمبادرات المقترحة في الغرض لتدخل حيز التفعيل والتنفيذ لعل من أبرزها مشروع المركز الوطني للفنون الدرامية الذي يتولى التنسيق له المسرحي سامي النصري. ويجدر التذكير أن افتتاح هذا العام ثقافيا واختتامه كان عبر الفن الرابع. إذ أن أوّل حدث ثقافي دولي افتتح الموسم الثقافي في تونس منذ بداية العام الجاري تمثل في الدورة العاشرة لمهرجان المسرح العربي الذي انتظم من 10 إلى 16 جانفي الماضي وكانت فيه بلادنا عاصمة للمسرح العربي بامتياز من خلال الحضور النوعي والكمي للمسرحيين العرب في هذه الدورة. وكان المسرح التونسي حاضرا فيه بقوة سواء من خلال العروض المشاركة في المسابقة الرسمية أو غيرها من أركان وفقرات المهرجان رغم أن مسرحنا كان خارج دائرة التتويج في هذا المهرجان بعد مشاركة ثلاثة أعمال جديدة وهي «الرهوط» للمخرج عماد المي و»فريدم هاوس» للشاذلي العرفاوي و»الشمع» لجعفر القاسمي. كما كان آخر حدث ثقافي دولي نظمته بلادنا خلال نفس العام مسرحي أيضا وهو الدورة الأخيرة لأيام قرطاج المسرحية وما خلفته حادثة «تعري» المسرحي السوري على الركح أثناء العرض من «لغط» وردود أفعال وطنيا ودوليا لا تزال تلقي بوقعها ومثار تجاذبات إلى اليوم، على نحو «غطت» الحادثة على الحدث المسرحي وحظيت بمتابعة واهتمام أكثر من المهرجان نفسه. ولعل أبرز ما ميز هذا القطاع طيلة هذا العام الذي يشرف على الانتهاء، هو خفوت صوت المحتجين ومن ثمة غياب الاحتجاجات ومطالب أهل القطاع التي ميزت السنوات الماضية واعتبرها المسرحيون من قبيل الاستحقاقات والمتمثلة في الإصلاحات ومراجعة التشريعات ذات العلاقة بالقطاع وتراجع عدد الأعمال من نوع «الوان مان شو» مقابل ظهور ودخول تجارب شابة على نفس الخط واكتساح سوق العروض الخاصة وبأدوات ورؤى استهلاكية مختلفة ليكون «سلام مسيو» ووسيم الحريصي المعروف باسم «ميقالو» من أكثر الأسماء مشاركات في مهرجانات الصائفة الماضية. ولئن سجل العام المنقضي عودة المسرح إلى التظاهرات والمهرجانات الصيفية بالأساس بعد غياب لسنوات من خلال برمجة بعض الأعمال في برامج المهرجانات في إطار العروض المدعومة من الوزارة أو عبر المندوبيات الجهوية للثقافة، فإن سيطرة المسرح التسويقي والاستهلاكي ألقى بثقله وبرز بشكل لافت خلال العام المنقضي خاصة في ظل الدور الذي لعبته التلفزة بشكل عام والإعلام السمعي بدرجة أقل في انتشار بعض هذه الأسماء والترويج لهذا النمط من المسرح الاستهلاكي على غرار من ذكروا آنفا. فيما حافظت بعض الفضاءات الخاصة على ديناميكيتها في الانتاج والنشاط المسرحي مع الانفتاح على الواقع الثقافي والسياسي ولعل أبرزها «التياترو» الذي وضع روزنامة موسعة حافظ فيها على سياسته في التكوين وتنظيم التظاهرات واحتضان المشاريع والمبادرات والكفاءات، خاصة أمام انتشار «موضة» التكوين المسرحي «الخاص». وعلى خلاف ما كان منتظرا لم ينجح المسرح التونسي في التعاطي مع مكسب حرية التعبير لتوظيف هذا المعطى لتقديم وتطوير الانتاج رغم ما يسجل من محاولات مقابل منهج «الاقتباس» الذي شكل تقريبا القاسم المشترك لأغلب الانتاجات المسرحية التي خرجت لقاعات العرض خلال هذا العام فضلا عن تواصل احتكار «صناعة» الأعمال عبر نفس المخرج وكاتب النص لجل الأعمال. تطور المسرح «الرسمي» لكن ! ما شد في هذا القطاع خلال هذا العام هو سيطرة المسرح الرسمي والتطور المسجل في هذا المستوى المتمثل في عدد التظاهرات المسرحية بتوجهها الوطني والدولي التي تنظمها وزارة الشؤون الثقافية والأعمال التي تحصلت على دعم على الانتاج من صندوق التشجيع على الإبداع الأدبي والفني إضافة إلى تدخل سلطة الإشراف في دعم حضور العروض المسرحية في المهرجانات. إذ كان عدد التظاهرات والمهرجانات المسرحية الجهوية والوطنية التي نظمتها سلطة الإشراف خلال هذا العام في حدود 47، وثمانية بالنسبة للمهرجانات الدولية بما في ذلك الدورة العشرين لمهرجان أيام قرطاج المسرحية والدورة الأولى لمهرجان أيام قرطاج لفن العرائس. كما سجل هذا العام تعزيزا في مستوى الهياكل المسرحية العمومية ليصبح العدد الجملي لمراكز الفنون الدرامية والركحية بكامل جهات الجمهورية 13 مركزا بعد فتح مراكز جديدة على غرار ما تم في ولايتي منوبة وجندوبة فيما أصبح عدد الفضاءات المسرحية الخاصة في حدود 32 فضاء. رغم إجماع أهل القطاع والناشطين في الحقل الثقافي أن كل ذلك لا يفي قطاع الفن الرابع استحقاقاته الهيكلية والتشريعية. في الجانب الرسمي للمسرح التونسي أيضا سجل خلال هذا العام 41 عملا تحصل على دعم على الإنتاج بعنوان 2018 من وزارة الشؤون الثقافية، تتوزع هذه الأعمال بين 22 عرضا للكهول و19 عملا موجها للأطفال. وتقدر قيمة الدعم على هذه العروض بحوالي مليار و400 مليون، فيما تقدر قيمة الدعم على الترويج من نفس الوزارة بمبلغ في حدود مليارين من مليماتنا باعتبار أن عدد العروض المدعومة خلال هذا العام كانت في حدود 1229 عرضا وفق الأرقام التي أعدتها إدارة الفنون الركحية بوزارة الشؤون الثقافية والتي يشرف على إدارتها المسرحي منير العرقي. تتويجات دولية ورغم الإعاقات الهيكلية والتشريعية التي يعاني منها قطاع الفن الرابع في تونس فقد استطاعت بعض التجارب المنفردة أن تصنع التميز خلال العام الجاري مقابل تراجع حضور المسرح «الكلاسكي» دوليا بعد أن كانت بعض الأسماء عناوين بارزة للمسرح التونسي على امتداد عقود من القرن الماضي. لتدخل بذلك أسماء وتجارب ومشاريع أخرى من أجيال مختلفة لمجال الحضور والتتويج الدولي، وهي تجارب ما انفكت تؤكد وتثبت تميزها وريادتها للقطاع على مستويين وطني ودولي في السنوات الأخيرة من خلال رؤى وتوجهات مختلفة عن النمطية وتخرج عن السائد، إذ يكفي الاستشهاد في هذا السياق بالتتويجات التي تحصلت عليها بعض الأعمال في مهرجانات مختصة خلال هذا العام غرار المسرحي عماد المي وتتويج مسرحيته «ذاكرة قصيرة» بجائزة العمل المتكامل في الدورة الأخيرة لايام قرطاج المسرحية بعد تميز عمله «الرهوط أو تمارين على المواطنة» في أكثر من مناسبة دولية وحصول مسرحية «جويف» التي أخرجها حمادي الوهايبي وأنتجها مركز الفنون الدرامية والركحية بالقيروان، على جائزة أفضل إخراج في نفس المهرجان إضافة إلى عدد من المسرحيين الآخرين الذي نجحوا في فرض أسمائهم وحصد جوائز في عدة تظاهرات ومهرجانات مسرحية عربية وعالمية على غرار كل من محمد عيسى العربي ووليد بن عبدالسلام إضافة إلى المسرحي الشاب وليد الدغسني والمجموعة المسرحية المرافقة له من بينهم أماني بلعج ومنير العماري وحافظ خليفة الذي يواصل اشعاعه عربيا ووفاء الطبوبي ومكرم السنهوري وعلي اليحياوي وحاتم مرعوب وحمودة بن حسين وانتصار عيساوي وخليدة الشيباني وأسماء الوسلاتي وغيرهم .