انطلقت السنة الميلادية الجديدة وسط تواصل التشنجات بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل المتمسك بالإضراب العام في الوظيفة العمومية والقطاع العام يوم 17 جانفي الجاري... إضراب يمكن أن يشل مجددا البلاد إذا واصلت الحكومة ما تعتبره المنظمة الشغيلة «تجاهلا لمطالبها بالزيادة في أجور الوظيفة العمومية» وتمسكت بتنفيذ تعليمات صندوق النقد الدولي وبقية الأطراف الدولية المانحة رغم الأوضاع الاجتماعية الصعبة وتدهور المقدرة الشرائية للتونسيين. إضراب 17 جانفي المرتقب، يأتي بعد أيام فقط من تنفيذ أكثر من 650 ألف موظف عمومي إضراباً عاماً يوم 22 نوفمبر بعد فشل التفاوض مع الحكومة بشأن الزيادة في أجور قطاع الوظيفة العمومية لينفذ الاتحاد تهديداته باتخاذ أشكال احتجاجية تصعيدية. ورغم مشروعية تحركات الاتحاد وأحقية مطالبه، خاصة أن المنظمة الشغيلة تعتبر أن الحكومة تملّصت من التزاماتها السابقة، بخصوص المفاوضات الاجتماعية للزيادة في أجور الوظيفة العمومية، واعتبرت ذلك ضرباً للحوار الاجتماعي، فإننا نأمل في بعض التهدئة ونطمح إلى مواصلة الحوار لإيجاد حلول توافقية باعتبار أن الحلول التصعيدية لن نخدم البلاد التي تبقى اليوم في حاجة إلى التهدئة والرصانة والتوافق وفي حاجة إلى حلول واقعية تراعي الوضع الاجتماعي الصعب من جهة وتضمن التوازنات المالية للدولة من جهة أخرى. فالكّل يقر بالواقع الاقتصادي والاجتماعي الصعب ويعترف بالارتفاع الفاحش والمبالغ فيه للأسعار وبتدني المقدرة الشرائية خاصة بالنسبة لأصحاب الدخل المحدود.. ولا ينكر تدني خدمات المرفق العمومي خاصة فيما يتعلق بالصحة والنقل والتربية لذلك نأمل أن يتم الضغط على الحكومة من اجل الانطلاق في إصلاحات جذرية ذات أولوية منها الشروع الفوري في إنقاذ المرفق العمومي وإصلاحه، ومراجعة القانون العام للمنشآت والمؤسّسات العموميّة وإصلاح المؤسّسات العمومية وإنقاذها حتى تلعب دورها الريادي اقتصادياً واجتماعيّاً وهي نقطة ذات أهمية كبرى وجب الوقوف عندها بعيدا عن جدلية الصراعات في الأجور... وكذلك الحد من الفقر وتحسين موارد الطبقات الضعيفة وإيجاد حل لملف الدعم حتى تستفيد منه أكثر الفئات الهشة... من الضروري اليوم تأمين مناخ اجتماعي سليم قوامه الحوار، والوصول إلى تفاهمات واقعية تراعي وضعية المالية العمومية، وتحافظ على توازنات البلاد.. ومن واجب اتحاد الشغل الدفاع عن منظوريه لكن مع مراعاة واقع البلاد الذي لا يجب كذلك على الحكومة أن ترتكز عليه للتنصل من مسؤولياتها دون المرور إلى إصلاحات عميقة تضمن عدالة اجتماعية أكبر وتحد من الفوارق التي تزداد يوما بعد يوم الى حد زادت فيه الطبقة الضعيفة فقرا وتقلصت فيه الطبقة الوسطى التي مالت نحو الدرجة الأدنى وزادت فيه الطبقة الغنية ثراء.. الإضراب والتصعيد لن يزيد أوضاع البلاد إلا تدهورا... والحل في مواصلة الحوار والتفاوض لإيجاد الحلول العاجلة ولكن أيضا الحلول العميقة التي غابت عن الحكومات المتعاقبة منذ الثورة والتي دونها لن يستقيم حال البلاد راهنا ومستقبلا.