ملحمة وانتصار ساحق جديد سجلته قواتنا الأمنية بالأمس في الحرب التي تخوضها بلا هوادة ضد الارهاب، بعد أن تمكنت عبر عملية استباقية دقيقة من إحباط مخطط إرهابي خطير في المهد في مدينة جلمة بالجنوب التونسي، بلا خسائر بشرية تذكر، مقابل مصرع مدبريه الرئيسيين واللذين أقدما تفجير نفسيهما بحزاميهما الناسفين بعد أن تمت محاصرتهما من كل الجهات وإغلاق كل منافذ الفرار أمامهما. مخطط إرهابي خطير كان يستهدف السيطرة على ولاية سيدي بوزيد من خلال القيام بعمليات نوعية ضد أمنيين وإعلان قيام «إمارة اسلامية» فيها، في ثاني محاولة من نوعها بعد تلك التي تم إحباطها في بنقردان يوم 7 مارس 2016 والتي أفشلتها أيضا يقظة وفطنة أجهزتنا الأمنية التي أثبتت مرة أخرى حسن جاهزيتها وحنكتها، والتفاف مواطني المنطقة ومساعدتهم الفاعلة والحاسمة لها. هذا الالتفاف وهذه المساعدة الحيوية -اللذين كانا حاضرين وحاسمين بلا أدنى شك في إحراز النجاح الذي تحقق في جلمة بالأمس أيضا - لطالما كانا غائبين في عدد من الدول العربية الأخرى التي وجدت نفسها في مواجهة هذه الآفة اللعينة، ما سهل اختراقها من هؤلاء الخفافيش ناشري الخراب والدمار، ما يشكل مصدر فخر لنا كتونسيين، لأننا عرفنا بعد ثورة الكرامة والحرية كيف نطور العلاقة بين الأمنيين والمواطنين من علاقة عداء وتصادم إلى علاقة تعاون واحترام متبادل. فالمواطن التونسي وكذلك العنصر الأمني يدركان اليوم أكثر من أي وقت مضى أن مصلحتهما واحدة، وأنه في مواجهة التحديات القائمة وخصوصا تلك التي تتهدد الاستقرار والأمن الجماعي في هذا البلد لا بد من رص الصفوف وتوحيد الأهداف لتظل تونس منيعة على كل من يحاول النيل من استقرارها وسيادتها وبشكل خاص الارهاب والارهابيين. هذا الارهاب وهؤلاء الارهابيين الذين ما انفكوا يكررون محاولاتهم لضرب الاستقرار والتعايش السلمي في بلادنا تحقيقا لمخططهم الهدام في تحويلها أو جزء منها إلى إحدى إمارات الظلام على غرار تلك التي نجحوا في زرعها لفترة من الزمن في العراق وسوريا وليبيا، حيث حولوا تلك الربوع إلى خراب بعد الازدهار، وإلى ميادين يقتل ويذبح فيها الآدميون الأحرار، لا لذنب ارتكبوه سوى معارضتهم للتراجع قرونا إلى الوراء. لهؤلاء قالتها أجهزتنا الأمنية بالأمس، ونعيد قولها اليوم، إن تونس بقواتها المسلحة كافة وبمواطنيها ستبقى عصية عليكم وستكون الصخرة التي تتحطم عليها مخططاتكم الجهنمية الخبيثة.