إنجاز عنصري آخر يضاف إلى سجل الاحتلال الإسرائيلي الذي يمضي بعد جدار الفصل العنصري إلى إقامة شارع الابارتاييد في مدينة القدس للفصل بين السائقين الفلسطينيين وبين المستوطنين تماما كما في زمن العنصرية البغيضة في أمريكا حيث لا مكان للسود في مدارس ومطاعم ومحلات البيض وكما في جنوب إفريقيا حيث الأقلية البيض تتمتع بالأرض وخيراتها على حساب الأقلية من السود.. المشكلة أن ممارسات الميز العنصري والابرتاييد التي كانت تستنهض الضمير العالمي للتصدى لنظام جنوب إفريقيا العنصري قد ابتلي بالعجز والشلل وأصيب بالصمم منذ أسقط قرار إلغاء مساواة الصهيونية بالعنصرية حيث دخلت الممارسات العنصرية الإسرائيلية قيد العادة والمألوف وباتت تمر دون أن تحرك ساكنا لدعاة الحرية والمساواة في العالم الحر.. والأكيد اليوم أن هذه الممارسات وغيرها باتت تجد لها في الانقسام الفلسطيني الذي دخل مرحلة غير مسبوقة ما يغذيها بعد أن استفحل كالداء وبات ينخر ما بقي من الجسد الفلسطيني العليل.. وهو انقسام أنهك مختلف فئات الشعب الفلسطيني من الضفة إلى القطاع وأصابهم بالإحباط واليأس من النخبة الفلسطينية التي ابتليت بداء تدمير بعضها البعض متجاهلة مخاطر وتحديات الاحتلال والمعاناة اليومية للشعب الفلسطيني بين مطرقة المستوطنين وسندان جيش الاحتلال و قمعه.. لا أحد بإمكانه اليوم أن ينكر أن تداعيات الانقسام قد ضاعفت المأساة وجعلت القضية الفلسطينية تحصد الخيبات وتتراجع في مختلف المحافل الإقليمية والدولية وتفسح الطريق أمام الاحتلال لاستغلال هذا الوضع والمضي قدما في مشاريع التهويد والتوسع الاستيطاني وتضييق الخناق على الأهالي والتفنن في اهانتهم وقمعهم ومواصلة حرق واقتلاع أشجار الزيتون وكل ما يمكن أن يدفع الفلسطينيين في التخلي عن الأرض والبحث عن ملجئ له حيثما يكون.. وقد وجب الإشارة أن النتيجة كانت ولا تزال إسقاط الاحتلال من سلم الأولويات ورفع القضية الفلسطينية من دائرة الاهتمامات إقليميا ودوليا.. وهو ما حدث فعلا والفضل في ذلك يعود في جزء منه إلى الحرب المعلنة بين فتح وحماس التي يبدو وكأنها دخلت مرحلة اللاعودة في المدة الأخيرة بعد انسحاب السلطة الفلسطينية من معبر رفح وإعلان حماس رفع الشرعية عن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.. من الواضح أن الانقسام الحاصل في المشهد الفلسطيني سيظل اكبر هدية يحظى بها الاحتلال حتى الآن والأرجح أنه الأحرص على استمرار الوضع على حاله لاستكمال مشروع التوسع .. افتتاح شارع الابرتاييد لن يكون آخر ابتكارات الاحتلال الإسرائيلي ونظام الميز العنصري الذي يتجاوز ما كانت نظام الابرتاييد في جنوب إفريقيا أقدم عليه ... هل كانت سلطات الاحتلال ستقدم على ما تقدم عليه اليوم وكل يوم لولا مظاهر الانقسام المهين الذي بات يوفر مظلة للاحتلال لمواصلة تنفيذ مخططاته؟ وهل كان الشارع الفلسطيني سيكون هذا حاله من الاستسلام والانكسار لولا حروب الاستنزاف بين قياداته؟ نكاد نجزم أن الشعب الفلسطيني لم يسبق له أن وجد نفسه في مثل هذا الوضع من الهشاشة والانهيار والضياع بعد فقدان البوصلة .. ان اخطر ما يحدث في المشهد الفلسطيني اليوم أن الاحتلال لم يعد القضية الأولى المطروحة أمام الفلسطينيين وأن الأولويات اختلطت والأوراق تبعثرت بسبب حرب المواقع والتناحر القائم على سلطة وهمية تحت قيد الاحتلال.. ولعل في تعمد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو التعبير عن ترحيبه من القاهرة بالتقارب الحاصل بين العرب وإسرائيل بعد تعدد جولات التطبيع بين تل أبيب وحلفائها الجدد في العالم العربي ما يفترض استعادة الوعي الفلسطيني المفقود وكبح جماح عملية التدمير والقضاء الغبي على القضية... بالأمس خرجت قوى فلسطينية تستصرخ الفصائل المتناحرة أو الإخوة الأعداء في الضفة والقطاع تردد بصوت واحد "يا عباس ويا حماس وحدتنا هي الحل".. ولا شيء حتى الآن يؤشر إلى أن صرخات الاستغاثة يمكن أن تبلغ أسماع القوى التي تعتقد كل منها واهمة بأنها قادرة على إقامة دولتها.. شارع الابارتييد لن يكون نهاية الماسي وآن الأوان لإيقاف العبث بين حماس وفتح.