لا يبدو حزب «نداء تونس» في وضعية مريحة سياسيا في ظل حربه المفتوحة على كل الجبهات... جبهة أولى ضد المشروع السياسي ليوسف الشاهد الذي احتل المساحات والفراغات عند عموم الدساترة والبورقيبيين، وجبهة ثانية ضد حركة «النهضة» أين يعمل الندائيون على اعادة الاستقطاب السياسي على قاعدة الهوية رغم حسم الدستور فيها، وجبهة ثالثة داخلية لم تظهر بعد حيث الخلافات الطارئة داخل الحزب بسبب رغبة المدير التنفيذي ومقربين منه للسطو على استعدادات الندائيين لأشغال مؤتمرهم الثاني. ولَم يكن المدير التنفيذي وحده حاملا لشعار «أنا أو لا أحد»، بل سانده في ذلك الرئيس المؤسس الباجي قائد السبسي الذي فشل في ضمان موقف الحياد خلال الازمة الاخيرة ليعلن وبقية العائلة الانتصار لنجله حافظ قائد السبسي على حساب الاستقرار السياسي والحكومي بعد محاولات عديدة للإطاحة بحكومة غريمهم يوسف الشاهد اثر تحوله من وضعية «وزير أول» الى «رئيس حكومة» بكامل الصلاحيات، وهو ما أقلق سي الباجي وحاشيته التي لم تتوقع تمرد «الأخ»يوسف. خلاف جبهة «الأخوة» لم تكن تحركات القيادي بحزب يوسف الشاهد مدير الديوان الرئاسي السابق سليم العزابي بمعزل عن «عدسات›› قيادات النداء وخاصة بعد ان تحولت الاجتماعات السياسية للعزابي من اجتماعات مغلقة الى علانية في إشارة واضحة الى ارتفاع الانصار واحتشاد الجماهير حول المشروع الجديد للشاهد، مقابل انحسار مناضلي النداء وتراجع عددهم، وهو ما كشفته على الأقل صور الندوة الجهوية لإعداد المؤتمر الانتخابي الاول لحركة نداء تونس بنابل 2 يوم الاحد الماضي تحت اشراف المنسق العام المدعو رضا بالحاج وعضو الديوان السياسي نبيل السبعي والمنسق الجهوي للحركة بنابل 2 منذر العميري والمنسق الجهوي المساعد سليم الزواري، للإنطلاق توزيع الانخراطات، او كما كشفته ايضا صور لقاء القيروان الذي أشرفت عليه أنس الحطاب والمنسقة الجهوية أنيسة الحطاب عطاءالله واللجنة الجهوية للاعداد للمؤتمر بالجهة. حضور ضعيف للندائيين قابله انتشار للمشروع السياسي ليوسف الشاهد، هكذا امر دفع بالعزابي لاعتبار ان النداء قد انتهى وولى وأن المشروع الحقيقي هو «مشروعنا» حيث قال خلال اجتماع عقد أول امس الاثنين بالعاصمة «ان المشروع الجديد على خلاف نداء تونس، في موقع قوة وإنه عكس النداء الذي استعد لانتخابات 2014 وهو في المعارضة، سيخوض الحزب الجديد الانتخابات وهو ممثل في 350 بلدية وله وزراءه ورئيس حكومة. وتابع العزابي: «أحنا تولدنا كبار.. كبار برشة وأكبر من نداء تونس». وقد أثار المشروع الموازي للشاهد تخوفات كبيرة عند الندائيين الذين «أطلقوا» رضا بلحاج للتهجم على الشاهد ومشروعه حيث اعتبر المنسق العام في حوار له على راديو ماد «يوسف الشاهد متمردا على رئيس الجمهورية ويوظف الدولة للضغط على الندائيين». موقف سانده فيه ضمنيا قائد السبسي الأب خلال كلمة له بمتحف باردو بمناسبة الذكرى الثامنة لانتفاضة 17 ديسمبر 14 جانفي، حيث قال «استمعت إلى شواغل الناس منها باش يعملو حزب متاع حكومة. هذا تأخير عن التمشي الديمقراطي الذي ننتهجه والذي يتيح مشاركة الجميع.. وإذا كان هناك من يريد تأسيس حزب لا نؤاخذه على ذلك.. ونقول ان هذا اجتهاد وإن شاء الله يُوفّق». وضمنيا ايضا، فقد سعى الباجي قائد السبسي للتحريض على الحكومة وتقمص دور الرئيس المعارض. فأزمة الدينار والأزمة الاجتماعية هي نتاج حكم النداء الذي اختار ممثليه في الحكومة منذ 2014. ورطة النداء وفشله في الحكم دفعته للقفز في مركب المعارضة ظنا منه انه سيحمي نفسه من تبعات اختياره لرئيس الحكومة وهو بذلك يحاول الدخول للانتخابات بصفر من الأخطاء رغم ممارسته للسياسة والحكم لمدة 4 سنوات متخذا من الدولة «بيت الندائيين». فهل نسي بلحاج والباجي ان النداء وظف الدولة بمختلف تجهيزاتها خلال الانتخابات البلدية بحثا عن انتصار يسحق من خلاله خصومه السياسيين؟ ألم يوظف الباجي قائد السبسي شخصيا الرئاسة للتعبئة؟ ألم يوظف يوسف الشاهد قبل اعلان التمرد أجهزة الحكومة لفائدة النداء أيضا؟ «أنا ولدك يا بابا»… جبهة الداخل بمجرد اندلاع الخلاف معه عمل المدير التنفيذي لنداء تونس حافظ قائد السبسي على الاستعانة بأبيه «رئيس الجمهورية» لفض كل خلافاته، بل ولإعداد مؤتمر حزب على مقاس نجله، حيث لم ينجح اَي طرف في ابعاد حافظ الذي وجد مساندة مطلقة من الرئيس ومن السيدة الاولى لساكن قرطاج، امر كشفه الناشط السياسي وعضو المجلس الوطني التاسيسي سابقا محمود البارودي الذي اعتبر في تسجيل صوتي «أن زوجة الرئيس تخشى على المستقبل السياسي لابنها لذلك هي تمارس الضغط على الباجي قائد السبسي لدعمه أولا ولحمايته ثانيا». وقد خلق تدخل العائلة مناخا من «الطرابلسية الجدد» نتيجة الابتزاز العاطفي الذي فشل الاب في تجاوزه ومقاومته، حيث لم تكن زوجة الرئيس وحدها عنوانا للضغط عليه بل شاركته في ذلك زوجة حافظ قائد السبسي، وهو ما اكده في اكثر من تصريح كل من القيادي السابق لزهر العكرمي والقيادي الحالي «قبل ان يتوب إلى آل السبسي» رضا بلحاج. وفِي واقع الامر فقد حاول ما تبقى من الندائيين تجاوز ما سبق وإعادة البناء الداخلي وفقا لعنصر الديمقراطية وصندوق الانتخابات إلا ان ذلك يبدو بعيد المنال في ظل تنامي رغبة حافظ وعدد قليل من المقربين منه في السيطرة وتطويع لجان إعداد المؤتمر لفائدته حتى يضمن لنفسه الصعود الآمن لسدة الحزب وشرعنة بقائه على رأس النداء. جبهة النهضة… المساواة عنوانا يدرك عموم المتابعين للشأن العام ان طرح فكرة المساواة وعلى أهميتها انما هو طرح سياسي وانتخابي بالأساس، وهو ما يعني ان طرح هذه الحقوق والحريات في قادم الأشهر إنما هو محاولة جديدة للإطاحة بالنهضة وإحراجها أمام الرأي العام والدفع بها للقبول بالمساواة والذي يشكل في طياته «الحملة الانتخابية» للنداء والرئيس في آن واحد. فرفض النهضة للمشروع سيدفع خصومها للعودة لمربع صراع «الهوية» وتجميع الحداثيين حول شخصية محورية لمجابهة «أخونة» المجتمع، تماما كما حصل مع انتخابات 2014. فجبهة الصراع الندائي ضد النهضة هو عنوان مكشوف على اعتبار ان مسألة الهوية محسومة سلفا دستوريا وقانونيا، غير أن إصرار الندائيين على خلع الأبواب المفتوحة يؤكد ان لا برامج لهذا النداء على حسب قول المرحوم الطاهر هميلة «الذي لا صوت له ولا يجيد سوى صناعة الأعداء». ماذا لو تتفاعل حركة النهضة مع مقترح رئيس الجمهورية وتسحب البساط من تحت أقدام دعاة الصراع حول الهوية؟ ماهي ورقة النداء حتى يدفع بالناخبين للتصويت المفيد (vote utile)؟