حضرة الدكتور من المؤكد أنك لا تعرفني لكني أعرفك جيدا من خلال ما يكتب ويقال عنك طيلة الاشهر الاخيرة.. أنت يا سيدي طبيب اختصاص تباشر مهنة الطب لحسابك الخاص أما انا فإن لم أكن واحدا ممّن تعيش من آلامهم وتحصل على مقابل سواء نجحت في تخفيفها أم لم تنجح؟ فإني مرشح في يوم ما لأكون مريضك.. أعمل -كما أكثر من المليوني منخرط في «الكنام»- موظفا ولي أطفال أعالجهم كلما تطلبت حالتهم الصحية ذلك في عيادات خاصة وأدفع للدكاترة وأدفع للدواء وتقتطع الدولة مساهمتي الصحية لفائدة صندوق الضمان الاجتماعي ولا أتمتع بما أساهم به في شيء.. كما تقتطع من مرتبي مبلغا لا يستهان به في شكل أداء لا أراه ولا ألمسه وينفطر قلبي كلّما أنظر لقيمته لكني أنشرح عندما أرى الكليات تشيّد والطرقات تعبّد والشواطئ تنّظف.. حتى تتعلّم أنت وأمثالك وتتخرّج وعندما تقتني السيارة الفاخرة لا تتذمر من حالة الطرقات وعندما تتحول الى «دار الخلاعة» تجد الشاطئ نظيفا. أنا يا سيدي لا أخفي أموالا نقدا في الخزائن ولا أستثمرها في الاتجار بزيت الزيتون أو في إقتناء الاراضي البيضاء ولا أقضي العطل في الساحل اللازوردي ولا أدرّس أبنائي في كليّات أجنبية لسبب بسيط هو أن مرتبي لا يكفي وثلثه يذهب للجباية ولا أقدر على إخفاء ما أتقاضاه لأن الجباية في بلدي عادلة فقط إذا ما تعلق الامر بالموظفين والعمال أما في بقية المهن الحرّة فتصبح عدالة الغراب التي تحدث عنها لافونتان. سيدي الدكتور عندما تكرمت عليّ الدولة ببعث صندوق التأمين على المرض بعد 22 سنة من مصادقة مجلس النواب على قانونه سعدت كثيرا لأنه أخيرا جاء اليوم الذي يمكن فيه أن أستفيد قليلا مما أدفع ورغم أن ما حمله السقف أغضبني لمحدوديته فإن سقف بيتي كاد أن يقع على رأسي ورؤوس أطفالي عندما طالعت فحوى اجتماعكم الصاخب الذي رفض حلّ الساعات الاخيرة وما كان ممثلوكم اتفقوا حوله فعدتم بنا الى حيث كنا ...ورغم أن مطالبكم كانت تتعلق بالاساس بالاتعاب فإنها نحت منحى حرّية الاختيار بعد أن تم الترفيع في الاتعاب. سيدي الدكتور أردت فقط أن أعلمك أن الوزير لمّا قرر الترفيع في أتعابكم لم يدفع شيئا من جيبه ولا من ميزانية الدولة بل دفع من مالنا الخاص كي يضمن للنظام الجديد للتأمين على المرض انطلاقة غير عرجاء.. وكما أردت أن أعلمك أنه إذا انخرمت موازين هذا الصندوق فإني وأمثالي الوحيدون الذين سيسددون من مالهم لإعادة التوازن اليه.. وأعلم سيدي أنه لو كان لي من يمثلني كما يمثلك أنت على طاولة المفاوضات وعاد إليّ مجددا كما عاد اليكم لأسقطت الاتفاق في الماء وفرضت عليه أن يشترط تنفيذ ما فشل في تنفيذه وزير أول أسبق (*) منذ ما يناهز الثلاثة عقود حتى يتساوى الطبيب والمريض في واجباتهم إزاء الوطن.. عندئذ يكون لكل ما يتقرر معنى. حافظ الغريبي * الوزير الأول فشل في فرض وصفة طبية مرقّمة لضمان جباية عادلة. للتعليق على هذا الموضوع: