مشهد الاسيرة المحررة انغريد بيتنكور الكولومبية الاصل الفرنسية الجنسية وهي تعانق طفليها بعد قطيعة دامت اكثر من ست سنوات منذ وقوعها في اسر حركة التمرد الكولومبية فارك في احد الادغال النائية في كولومبيا كان مشهدا مؤثرا الى ابعد الحدود وقد حمل في طياته رسالة انسانية لا حدود لها جاءت لتؤكد ان حرية البشراعظم وانبل واقدس من ان تحدد بثمن وان حق الحياة حق مقدس لامجال للتنازل عنه ولا يمكن ان يخضع للمساومات والمقايضات.... والامر هنا يتجاوز شخص بيتنكور وفلذتي كبدها اللذين تركتهما في سن الطفولة لتعود اليهما وقد تحولا الى شابين مختلفين لم ترهما يكبران ويتغيران ويتقدمان في دراستهما ككل الامهات والسبب بسيط وقد لا يحتاج لكثير من الاجتهاد والتاويل فحدود الافراد والاشخاص تزول وتختفي في احيان كثيرة عندما يتعلق الامر بمسائل وقضايا انسانية لا تخضع لحدود جغرافية ولا لهوية سياسية او لانتماء اقليمي او ثقافي او حضاري دون غيره... قد تبدو المقارنة بين بيتنكور الاسيرة الكولومبية الفرنسية المحررة وبين الاف الاسرى العرب من فلسطينيين وسوريين ولبنانيين واردنيين او غيرهم في السجون والمعتقلات الاسرائيلية عبثية في جوانب عديدة منها الا ان الحقيقة ان في الحملات الاعلامية الواسعة والاهتمام الدولي على مختلف المستويات الرسمية والشعبية الذي لم يتوقف بمصير بيتنكور منذ تعرضها للاختطاف ما يدعولاثارة اكثر من نقطة استفهام حول الصمت الدولي والتجاهل المخزي لمصير اكثر من اثني عشر اسيرا فلسطينيا في قبضة الاحتلال الاسرائلي... قد تكون منظمة فارك منظمة ارهابية خارقة للقوانين والاعراف الدولية في اهدافها السياسية ومطامحها واساليبها في نظرجزء لا يستهان به من الراي العام الكولومبي وحتى الدولي والواقع ان منظمة فارك بذلك لا تختلف في شيئ عن الدولة العبرية التي تعد عضوا في الاممالمتحدة ولها علاقات مع اكثر من مائة وعشرين بلدا في العالم... ومن هذا المنطلق لم يكن من المهم في شيئ ان يتسابق كبار صناع القرار في العالم للاشادة بالعملية التي امكن بمقتضاها تحرير بيتنكور ورفاقها ولم يكن المهم ايضا في ارسال طائرة خاصة لاعادة بيتنكور الى فرنسا ولافي ظهور المسؤولين الفرنسيين الى جانبها ولاحتى في كل تلك المظاهر الاحتفالات لاحياء الحدث فالاهم من هذا وذاك ما كانت بيتنكورتحظى به من اهتمام ومتابعة من مختلف الاوساط الاعلامية والديبلوماسية والسياسية الفرنسية التي كانت دون ادنى شك وراء ابقاء خيط الامل قائما في نفسها رغم معاناة قيود الاسر بكل ما يمكن للمرء ان يتخيله من اشكال ممارسات المتمردين وانتهاكاتهم للاسرى. ربما لم تكن بيتنكور تعلم عندما حصلت على الجنسية الفرنسية بعد زواجها انها كانت ستحظى بتاييد دعاة وانصار حقوق الانسان من بني جنسيتها ممن يقدرون حياة الانسان حق قدرها ولا يدخرون جهدا في اعلائها واحترامها ولو ان بيتنكور كانت تحمل جنسية اخرى لما حظيت بما حظيت به حتى الان ولعل العالم يذكر قضية الممرضات البلغاريات والطبيب الفلسطيني المورطين في قضية السيدا في ليبيا اذ وعلى خلاف البلغاريات اللاّئي حظين بكل اهتمام المؤسسات السياسية ومنظمات حقوق الانسان في الغرب فقد ظل نصيب الطبيب الفلسطيني من الاهتمام العربي والغربي والدولي في المقابل يكاد يكون معدوما قبل ان تقرر بلغاريا منحه الجنسية وضمه الى بقية الممرضات العائدات مع طليقة ساركوزي بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية ...الامر الذي من شانه ان يدفع للاعتقاد بانه لو لم تكن بيتنكور فرنسية لربما كان مصيرها مختلفا... بالعودة الى قضية اسرى الاحتلال الاسرائيلي واذا صدقت الانباء القادمة من بيروت وتل ابيب بشان صفقة تبادل للاسرى بين اسرائيل والمقاومة اللبنانية مطلع الاسبوع القادم فان ذلك سوف يعني بالتاكيد مكسبا جديدا يضاف الى الرصيد السابق لحزب الله في مجال تحرير اسرى لبنانيين وفلسطينيين الامر الذي فشلت في تحقيقه اطراف رسمية وشبه رسمية كانت ولا تزال تحظى بدعم وتاييد الغرب خلافا لحزب الله الذي يصنف في نظر عدد لا يستهان به من الحكومات الغربية على انه منظمة ارهابية خارجة عن القانون ولاشك ايضا ان في استعداد لبنان ومعه كل الاطياف اللبنانية لاستقبال سمير القنطار عميد الاسرى اللبنانيين بعد نحو ثمانية وعشرين عاما قضاها خلف القضبان الى جانب عودة عدد اخر من الاسرى اللبنانيين من شانه ان يعيد الى السطح احدى اعقد القضايا الانسانية المنسية وهي تلك المرتبطة بالاسرى والمعتقلين العرب في السجون والمعتقلات الاسرائيلية سواء بعض اعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني الذين مضى على اسرهم نحو سنتين حتى الان او غيرهم من اسرى الذين تجاوز عددهم الاحد عشر اسيرا دون اعتبار للنساء والاطفال الذين ولدوا خلف القضبان ولم يعرفوا غير السجن مقرا لهم...