- المؤسسات الاستشفائية تسجل سنويا مغادرة ما بين 1500 و2000 طبيب وإطار شبه طبي عاشت مؤخرا عدد من ولايات الداخل على وقع تحركات احتجاجية ارتبطت أساسا بالحق في الوصول الى الخدمات الصحية، كانت آخرها تلك التي عرفها مستشفى ابن الجزار بالقيروان يوم 21 فيفري الماضي ضد تردي الوضع الصحي، وسبقتها التحركات التي تواصلت لأكثر من 3 أسابيع في المستشفى الجهوي بجرجيس والتي جاءت على خلفية وفاة امرأة حامل وطفل متوحد وعرفت تصعيدا وصل حد تنظيم يوم غضب، وانتهت بزيارة وزير الصحة التي سادها جو من الغضب والاحتقان، التزم في نهايتها الوزير بإحداث قسم استعجالي في أقرب الآجال.. احتجاجات وعدم رضا وتوتر تشهدها بصفة دورية مختلف المستشفيات المحلية والجهوية، مذكرة في كل مرة بتردي الخدمات الصحية في مناطق الداخل، تلك التي يحرم فيها المواطن من حقه في الوصول الى الخدمات الصحية وطب الاختصاص، وغياب كل قواعد وأسس العدالة الصحية التي تؤثث مختلف البرامج والوعود الحكومية والحزبيةفي تناقض مع تلك التقارير والدراسات التي تضع تونس في مرتبة ثانية على صعيد القارة الافريقية وضمن قائمة البلدان التي تملك أحسن المنظومات الصحية. فقر المستشفيات الجهوية والمحلية من طب الاختصاص، والنقص الذي تعانيه فيما يتعلق بالتجهيزات الطبية والإطار شبه الطبي.. مشاكل ما انفكت تثقل كاهل وزارة الصحة التي يبدو انها عجزت - رغم ما أتت به من برامج طيلة السنوات الماضية - عن ايجاد حلول جذرية لها وتحقيق ولو جزئيا شيئا من العدالة الصحية بين الجهات. تشخيص للوضع.. يعتبر تقرير الجمعية التونسية للدفاع عن الحق في الصحة لسنة 2017، ان التوزيع الجغرافي للمؤسسات الصحية بالبلاد التونسية جيد إلى حد ما، لكن يبقى العائق الكبير هو عدم المساواة في الخدمات الصحية المقدمة من قبل المؤسسات المعنية، حيث أن عديد المواطنين يشتكون من عدم ولوجهم إلى مرفق صحي قريب، وإذا ما بلغوا أحدها فهو بعيد عن تلبية احتياجاتهم ناهيك عن ملاءمة تطلعاتهم. والسبب حسب نفس التقرير، هو أن ما يعادل نصف المراكز الصحية الأساسية لا تخصص إلاّ حصّة واحدة في الأسبوع للعيادات الطبيّة وأنّ أغلب المستشفيات المحليّة لا تتوفّر فيها المعدّات والتجهيزات الطبيّة الملائمة فيما المستشفيات الجهويّة تشكو من نقص فادح في الأطباء المختصّين. هذا إضافة لما تسجله المؤسسات الصحية والاستشفائية من تجاوزات بسبب الممارسة المتعلقة بالطب الخاص في غياب الضوابط الادارية والرقابية. ويقول التقرير، انه وفقا للتوزيع السالف ذكره، يمكن أن نتحدث عن عدم الموضوعية وفقدان العدالة في بعث المؤسسات الصحية الخاصة والعمومية مما أدى إلى عدم التكامل فيما يتعلق بالخدمات المقدمة في القطاعين العام والخاص وهو ما يضر بحسن سير النظام الصحي. ويوصي تقرير الجمعية بإعطاء أولوية لاعتماد أسلوب الخارطة الصحيّة الوطنيّة العادلة والشاملة لكلّ القطاعات والقيام بالإجراءات الضرورية لضمان جودة الخدمات. ويعتبر جوهر مزيد رئيس الجمعية التونسية للدفاع عن الحق في الصحة، أن الدوامات الطبية التي وفرها صندوق دعم طب الاختصاص في المناطق الداخلية، والتي اعتمدتها وزارة الصحة لسد النقص المسجل في الجهات مثل حلا جزئيا للمشكل ووفر مردودية مادية للاطباء القادمين من المستشفيات الجامعية لكنه لم ينجح في تحقيق تغطية لكامل ايام الاسبوع وللحالات الاستعجالية التي يمكن ان تسجل خارج تلك الدوامات.. هذا فضلا عن ان الوزارة ركزت في برنامجها على ال8 اختصاصات الحياتية وهي التخدير والإنعاش والجراحة وطب النساء والتوليد وطب العظام والمفاصل وطب الأطفال واختصاص الأشعة وأمراض القلب والشرايين والإنعاش الطبي، وأهملت بقية الاختصاصات الأخرى والتي لا تقل اهمية على غرار اختصاص الأمراض الجلدية واختصاص الفم والانف والحنجرة والمعدة والغدد، والتي تعرف فيها المستشفيات المحلية والجهوية فقرا كاملا. رأي آخر للوزارة .. من جانبها، وفي تصريح ل»الصباح»، بينت المديرة العامة للصحة نبيهة برصالي فلفول، انه وبفضل برنامج الدوامات الطبية التي وفرها صندوق دعم طب الاختصاص في المناطق الداخلية، ارتفعت نسبة تغطية الجهات بطب الاختصاص في ال8 اختصاصات الحياتية مع اضافة اختصاص طب العيون خلال الثلاث سنوات الماضية من 70-75 % الى نسبة تغطية بين 90 و100% في تطاوين مثلا. ومكن البرنامج الذي شمل اطباء الصحة العمومية والاطباء الاستشفائيين الجامعيين واطباء القطاع الخاص، حسب برصالي فلفول، من تواجد الاختصاصات ذات الأولوية في المستشفيات والتحكم في الامراض الحياتية وخاصة في صحة الام والطفل «أين وصلنا الى التقليص في عدد وفايات الامهات عند الولادة»، فضلا عن خلق نوع من التواصل بين المستشفيات الجهوية والمستشفيات الجامعية بفضل تنقل الاطباء بينهما، ما أدى بدوره الى نوع من المرونة في التعامل والتحسين في نوعية التغطية والخدمات الصحية المقدمة للمريض. وبالنسبة للاحتجاجات التي تعيش على وقعها عدد من المستشفيات المحلية والجهوية، افادت مديرة الصحة العمومية بأن المؤسسات الاستشفائية على امتداد كامل تراب الجمهورية تسجل سنويا مغادرة ما بين 1500 إلى 2000 بين اطباء واطارات شبه طبية وأعوان وإداريين لفائدة القطاع الخاص او في إطار التعاون الفني (هجرة)، لا يتم تعويضهم بسبب غلق باب الانتدابات في الوظيفة العمومية، وهو أمر يؤثر على الخدمات المقدمة ويستشعره المواطن وما انفك يثقل المنظومة الصحية. والاحتجاجات في جرجيس والقيروان وغيرها من المناطق في جزء منها تعود لهذه الاسباب. وذكرت فلفول ان السنة الجارية 2019 وفي اطار مزيد تدعيم طب الاختصاص وتحسين الخدمات الصحية في الجهات، سيتم انتداب 1000 عون جديد (أطباء وإطارات طبية وإداريون) لفائدة المؤسسات الجاهزة وغير المستغلة على غرار المستشفى المحلي بنفطة الذي لا يوجد فيه أي طبيب اختصاص، ومستشفى بئر علي بن خليفة، وقسم الاستعجالي بجربة، ومركز الامراض السرطانية بجندوبة.. وستشهد ايضا خلال السنة الجارية منظومة المناظرات تغييرا، يتم خلاله إدراج اختصاص جديد - مناظرة الاقامة - وهو اختصاص طب العائلة والذي باعتماده تلتحق تونس بالبلدان المتقدمة فيما يخص الاختصاصات الطبية. وأشارت نبيهة برصالي فلفول، الى ان الوزارة بصدد مواصلة تدعيم النقص المسجل في عدد من الاختصاصات التي تعرف نقصا حادا وهي التصوير الطبي والتخدير والانعاش وبأقل حدة طب الاطفال والنساء وجراحة العضام.. وهو نقص ينتظر ان يتم تعديله في أفق 2021 بعد أن يعطي البرنامج الذي اعتمدته الوزارة عبر إضافة 120 طبيب اختصاص في دفعة مناظرتي الاقامة أُكله وتتخرج الدفعة الاولى من أطباء الاختصاص الذين بدأ تكوينهم بداية من 2017 والذين هم موجهون أساسا الى الجهات. واوضحت في نفس السياق ان الوزارة قد اخذت بعين الاعتبار في برنامج التخصص الاستثنائي السالف ذكره، الاختصاصات التي يسجل فيها بدورها نقص كبير ولا تدخل ضمن قائمة الاختصاصات الحياتية حيث قامت في ديسمبر 2018 بتوسيع قائمة التخصص بإضافة اختصاص المعدة والرئة والكلى واختصاصات المخابر، وينتظر ان تعرف كل سنة توسيعا جديدا في قائمة الاختصاصات حتى يتم توفير تغطية كاملة لطب الاختصاص. وذكرت مديرة الصحة العمومية ان تونس تصنف حسب منظمة الصحة العمومية في المعدل الوسطي للتغطية الصحية والمنظومات الصحية حيث توفر 13 طبيبا لكل 10 آلاف ساكن، ولها مؤشرات صحية جيدة: فأمل الحياة يبلغ ال76 سنة وهي ضمن الصنف الثاني عالميا وتسجل بين 95 و98 % نسبة تغطية للتلاقيح. حلول عاجلة تتطلبها المنظومة الصحية.. وبالنسبة لرئيس الجمعية التونسية للدفاع عن الحق في الصحة، فإن مشكل طب الاختصاص في المناطق الداخلية يمكن ان يتم تجاوزه عبر 3 اجراءات أساسية: - إجراء عاجل يكون عبر توجيه كل الاطباء ضمن الخدمة الوطنية (120 طبيب اختصاص) الى الجهات الداخلية ويكون ذلك مع حوافز تمكن خلالها الدولة الطبيب من أجرة اختصاصي كامل وتوفر له سكنا فضلا عن مدة عمل 5 ايام في الاسبوع. - الاجراء الثاني يكون بمراجعة تأجير أطباء الاختصاص ولما لا، مضاعفته بالنسبة للاطباء المبتدئين والدكاترة على حد السواء، وهي حسب رأيه طريقة أيضا لايقاف نزيف هجرة الاطباء الى الخارج والقطاع الخاص. - أما ثالث الاجراءات فيتعلق بالانتدابات التي تعلن عنها وزارة الصحة العمومية والتي يجب ان تكون لفائدة المناطق الداخلية فقط وترفق بمنحة مضاعفة. واعتبر جوهر مزيد في نفس الوقت ان على وزارة الصحة العمل ضمن خارطة صحية تقوم خلالها بتحديد الاولويات دعم الخط الاول بالمناطق الداخلية الاقل حظا وذلك باعتماد فرق من اطباء الاختصاص تعدل كفة الجزء الغربي الصحي من البلاد. ريم سوودي