تلقت "الصباح نيوز" مقال رأي من السياسي الصحبي بن فرج حول الجدل الواسع بشأن تشكيل الحكومة بعد اختيار رئيس الجمهورية رئيس الحكومة المكلف إلياس الفخفاخ وما أثاره من نقاط استفهام وقراءات وتاويلات. وفي ما يلي نص المقال: كما كان متوقعا إختار الرئيس، إسما من خارج قائمة الاسماء المقترحة من الاحزاب، عيٌن شخصية أقرب الى خطه السياسي(الثوري) و"بروفيل" يقدٌر أنه لن يخرج عنه مستقبلا وسيستند الى الشرعية الانتخابية الرئاسية وليس الى الشرعية الإنتخابية البرلمانية، والى ذلك سيضع مقدرات رئاسة الحكومة في خدمة المشروع السياسي لرئيس الجمهورية أعجب لمن فوجئ بالترشيح، وأعجب أيضا لمن يستغرب الحدود التي رسمها السيد الياس الفخفاخ لنفسه ولحكومته، وهي حدود "رئاسية" منطقية بالنظر الى مسار وخطاب الرئيس، ومقاييس إختياره لرئيس الحكومة وخاصة بمقتضى إستحالة تسليم الرئيس لورقة التكليف بدون إتفاق مسبق واضح ودقيق مع الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة بما يخدم مشروعه السياسي والشخصي وهو ما كان محور لقاء الثلاث ساعات الذي جمع الرئيسين في قرطاج قبيل الاعلان الرسمي عن تكليف إلياس الفخفاخ أتساءل هنا هل قرأت الاحزاب المشهد جيدا وهي تبني توقعاتها وهل درست جيدا شخصية وعقل ومشروع الرئيس قبل أن تتخذ قراراتها السابقة؟ لم تتفطن النهضة وهي تسيء إختيار مرشحها، وتناور بكتلة محدودة ب 54 نائب وتحاول الاستحواذ على نصيب الاسد من حكومة الجملي، لم تتفطن الى أنها مهٌدت بذلك الطريق لسحب الاوراق من تحت أقدامها وتسليمها الى الرئيس تمهيدا لحشرها في الزاوية وتوهٌم السيد نبيل القروي وهو يُسقط حكومة الجملي، أنه سيتزعم فعلا "جبهة برلمانية" ب93 نائبا وسيذهب بها فعلا لل"تشاور" مع قيس سعيٌد حول أسم رئيس الحكومة المقبل.... جبهة لم تعش أطول من الزمن المخصص للندوة الصحفية التي أعدٌت لإغرائه بالثأر أخيرا من الطبقة السياسية التقليدية التي لطالما لفضته وتعالت عليه في السابق، كيف وثق بحلفاء اليوم -أعداء الامس- وهم يرسمون له صورة الزعيم لحلفٍ هلامي وجبهة مزيفة لم ينتبه الدساترة المنتشرون في كل الكتل النيابية إلى أن الترويكا الثورية قد أعادت تنظيم صفوفها وتركيبتها وخطابها، وأنها في طريقها اليهم "لإستكمال أهداف ضالثورة" وذلك مباشرة بعد الانتهاء من قلب تونس ورئيسه (تحت عنوان الفساد) وبعد حسم المعركة داخل النهضة. كيف توهٌمت بعض الاحزاب وهي المحسوبة على السيستام، أنها ستكون في يوم من الايام حليف دائم وشريك فاعل لرئيس يستمد مشروعيته الاساسية من معاداته للسيستام، ويبشر مشروعه السياسي بنهاية الاحزاب ويتبنى نظام ما بعد التحزب؟ في هذه الأجواء، عُيٌن إلياس الفخفاخ ليشكل حكومةً أريد لها منذ البداية بأن تلغي من مشاوراتها حزب نبيل القروي (والدستوري الحر) وبالتالي يكون سقفها الأقصى 161 نائب. يراهن الثنائي سعيٌد\ الفخفاخ على معادلة بسيطة: المرور بقوة بالاعتماد على حتمية منح اغلب النواب الثقة للحكومة لتفادي حل المجلس وفقدان مقاعدهم فيه وعلى تخوف وتهرب الاحزاب من شبح الانتخابات المبكٌرة لانعدام الجهوزية وأيضا لأن من يُسقط الحكومة سيتحمل مسؤولية تواصل الفراغ على رأس الحكومة في ظل وضع إقتصادي ومالي متأزم وحالة إجتماعية تنذر بالانفجار. .....ولكن قد تكون حسابات الاحزاب والكتل الكبرى في غير المسار الذي سلكه الثنائي الرئاسي فحركة النهضة مثلا فقد تقدر أن في حل المجلس حلا لأزمتها : تتخلص من عبئ رئاسة المجلس التي أصبحت بمثابة استهداف وتهرئة متجددة لراشد الغنوشي، تؤجل المؤتمر وتعيد خلط الاوراق مرة أخرى، وستشترط دون الذهاب الى ذلك ، إدماج قلب تونس ضمن الحزام البرلماني للحكومة ليصبح الوزن الفعلي للنهضة عمليا 109 نواب باعتبار تحالفها مع الكرامة وقلب تونس، وتتحول بذلك الى كتلة وازنة في الحكومة وهذا أمر ما لا يمكن للرئيس أن يتحمله أما قلب تونس فيمكن أن يعتبر أن مرور الحكومة بدونه ستعني بداية استهداف رئيسه وبداية سرقة كتلته النيابية وقد يقدٌر أنه ما سيخسره بإعادة الانتخابات لا يضاهي خطر إنهائه والاجهاز عليه إذا مرت الحكومة عبير موسي من ناحيتها تنظر بأعين حالمة الى فرضية الاعادة التي ستمكنها من مضاعفة كتلتها النيابية في كل الاحوال وحتى تحيا تونس فمن الممكن ان يجد نفسه مع إقصاء قلب تونس معزولا عن عمقه الطبيعي ومتورطا في في جبهة سياسية راديكالية و بين التيار وحركة الشعب الاقرب منه إيديولوجيا الى رئاسة الجمهورية، وقد يرى في سقوط حكومة الفخفاخ فرصة لمزيد البقاء في القصبة وفرصة سانحة لتدعيم كتلته البرلمانية إذا أعيدت الانتخابات سنعيش شهرا آخر، من المفاوضات والمفاجآت والحسابات والتقلبات في المواقف والتحالفات وهي التي ستحدد تركيبة الحكومة المقبلة أو سترسم ملامح الفترة القادمة، وفي الانتظار ستبقى تونس شهرا آخر بدون حكومة، وبدون سياسة خارجية، وبدون خارطة طريق للخروج من الازمة.