حمل لنا الهاتف والبريد اكثر من تفاعل حول ما كتبه رئيس التحرير في ركنه الاسبوعي «كلمة» بتاريخ 30 جوان المنقضي تحت عنوان «رسالة الى طبيب مختص» ..الهاتف رنّ حاملا أصوات أناس من جندوبة والكاف وقفصة ومدنين وقابس.. قراء لا نعرفهم لكنّهم يعرفوننا جيدا من خلال ما يكتب في الصحيفة.. مواطنون منهم الموظف ومنهم المهندس ومنهم العامل ومنهم الاستاذ طالعوا ردّي عمادة الاطباء وطبيب مختص وأبلغونا مساندتهم التامّة لما كتبه رئيس التحرير مؤكدين على أنهم يقفون الى جانب ما خطّه حرفيا لأنه جاء مناصرا للطبقات الكادحة ومدافعا عن الصالح العام...الهاتف حمل لنا كذلك صوت الدكتور كمال الغربي صاحب رد «رسالة هادئة الى صحفي متشّنج» مكبرا فينا «نزاهتنا» بالسماح بنشر ردّه ملتمسا الالتقاء برئيس التحرير للتعرّف عليه وتعميق الحوار معه. أما البريد فحمل لنا تعقيبا من القاري «محمد حسام قريعة» على ما جاء في ردّ عميد الأطباء وفيما يلي نصه: رسالة الى عميد الاطباء حتى لا يفهم من «رسالة الى طبيب مختص» على أنها كلمات معزولة لصحفي يغّرد خارج السرب «تشّنج» حين لم يعجبه غلاء فاتورة طبيبه المختص أو أنها مقالة لمثقف بعيد عن مشاغل الناس أراد لفت الانظار اليه بمواقف بعيدة عن همومهم ولا تعني سواه أو كذلك كتعد لمتهور على مقدس أو خطوط حمراء تستوجب ردودا بلغة متكّبرة متعالية حتى لا أقول خشبية كما قرأتها على أعمدة «الاسبوعي» وكنت أظن قاموس لغة السادة أطبائنا المحترمين خاليا منها وذلك من قبيل «النصح بضبط النفس» و«المطالبة بالتحري قبل الكتابة» و«الابتعاد عن التشويه» بما يعنيه ذلك من احتقار وتقزيم لا لصاحب المقال فحسب بل لكل قرائه الذين سوف يهبون مع أول نقد يقرؤونه ليقطعوا «علاقة الثقة القائمة بين الطبيب ومريضه» وحتى لا يفهم بأن سكوتنا كقراء معنيين بالاساس بهذا الامر على أنه ضعف حجة أو رضاء غير مشروط عن الصندوق الوطني للتأمين على المرض، هذا لفرط ما قرأت من ردود تصب في اتجاه واحد لذا أطالب «الاسبوعي» بأن تنشر لي رأيي في مختلف ما قيل وخاصة رد السيد رئيس عمادة الاطباء. بداية وجب التوضيح للسيد رئيس عمادة الاطباء أن متوسط دخل التونسي كما جاءت به الارقام الرسمية هو في حدود ال 4000 دينار سنويا أي ما يزيد قليلا عن دخل شهري ب 300 دينار لكل تونسي، ولمزيد التوضيح وحتى تقترب أكثر صورة هذا التونسي متوسط الدخل من ذهنكم أحيلكم على هاته الصورة اليومية من حياته.. هو ذلك الشخص الذي ترونه وأنتم تقودون سيارتكم، يتشّبث ببعض أصابعه وجسمه يتدلى بأبواب مفتوحة لحافلة تقّله لمركز عمله يصله وهو منهك القوى ومطالب مع ذلك بمردودية عالية تنتفي بغيابها علاقته الشغلية مع مشّغله وبالتالي مورد رزقه هو وعياله، وهو كذلك ذاك الشخص الذي قد ترونه وانتم مارين بالقرب من احد الاسواق يسبح في أكوام الثياب المستعملة «الفريب» ليس من اجل موضة قديمة أعيد انتاجها بل ليجد ما يستر به عائلته من ملبس بأثمان في متناوله، وهو كذلك ذاك الشخص الذي قد تنتبهون الى نظرته المشتاقة الى أسماك قدمت لتوها من ساحل بحره أو لحم ضأن تربى ورعى في أرض وطنه أو زيت زيتون اشجاره مغروسة في بلدته، حين يمر امامها فيشيح بنظره عنها لقلة ذات يده ولان الحكومة في بلد قليل الثروات اختارت منذ الاستقلال ان تكوّن مجانا أجيالا من ذوي الكفاءات العلمية في مختلف الميادين على حساب رفاهة عامة شعبها، أما «الاطار المتوسط» كما جاء في ردكم فدخله حسب الارقام الرسمية يساوي ضعف دخل ذلك الشخص الذي تحدّثنا عنه ومع ذلك فهما غالبا ما يعيشان بنفس المستوى نظرا لان الفارق في الاجر عادة ما تلتهمه مصاريف سيارة شعبية تريح هذا الاطار وعائلته من عذاب النقل العمومي وهذا ما يعني سيدي أن طبيب الاختصاص بما يتقاضاه منذ انتدابه في المؤسسات الاستشفائية يعد من الاطارات العليا لهاته البلاد مع مرتبة امتياز نرى أنه يستحقها كما تستحقها عديد الكفاءات في مختلف الاختصاصات والتي أفنت مثلكم أعمارها في تحصيل العلم ومازالت الى اليوم تنتظر فرصة بنصف راتب طبيب في أي شبر من تراب بلدها. اما «عن انخراط الاطباء في بناء مجتمع سليم» كما جاء في ردكم، فيهمنا أن نعرف نسبة المنخرطين لاننا حين نسمع بأن المناطق الداخلية للبلاد تشكو نقصا هاما في الاطباء عامة وأطباء الاختصاص خاصة أصبحت لأجله سلطة الاشراف مضطّرة «لاستيراد» أطباء من بلدان أجنبية متوسط دخل الفرد فيها يساوي أو يزيد عن نظيره بتونس وغالبا ما يكونوا قد تحملوا القسط الاكبر من مصاريف دراستهم لعدم مجانية التعليم في بلدانهم على عكس ما هو موجود عندنا ومع ذلك يرضون بما تعفّف عنه نظراؤهم في تونس، وحين نرى أجرة عيادة لطبيب مختص تكلّف المواطن التونسي المتوسط اكثر من أجره لثلاثة أيام عمل صافية وتكلّف «السميقار» أجره لخمسة أيام عمل كاملة وهي حالة شاذة لدينا مقارنة بكل بلدان العالم الغنّية منها والفقيرة حيث لا تتعدى أجرة الطبيب في جل البلدان يوم عمل «لسميقار» وذلك حتى تكون الخدمات الطبية عمليا وبعيدا عن الشعارات في متناول الجميع مع حفظ حقوق الاطباء، طبعا بالمعقول وبلا افراط، وحين نرى جلّ الاطباء يتّهمون ويشككون في آداء «الكنام» قبل حتى أن يباشر عمله ويرفضون سلفا التعامل معه بنظام استرجاع المصاريف ولو من باب مراعاة امكانيات مرضاهم، وحين نرى أن كل همّ أطباء الاختصاص في مفاوضاتهم مع «الكنام» قيمة أتعابهم وأكثر من هذا انهم يريدون التمتع بامتياز التعامل مع المرضى المنخرطين في منظومة استرجاع المصاريف دون أن يتحملوا حتى عناء الانخراط بدعوى حرية اختيار المريض لطبيبه وهم أول من يعلم أن هذا الحق لا يمارسه الا من يملك الامكانيات المادية وبالتالي هم أول من انتزعه عن مرضاهم برفضهم التعامل بمنظومة استرجاع المصاريف الاقرب لامكانيات غالبية المواطنين، حين نسمع ونرى كل هذا سيدي رئيس عمادة الاطباء نشك في أنه يوجد من انخرط أصلا. أما «المهارة المشهود بها عالميا في الممارسة الى حد استقبال الحرفاء من البلدان المجاورة ومن البلدان الاوروبية ايضا» فهذا شرف ليس لكم فحسب بل لكل فئات شعبنا التي ضحت ولا زالت تضحي بجهدها وأموالها (على قلّتها) لتكوينكم مجانا ولتوفير ما يلزمكم من معدات وتقنيات حديثة حتى تؤدوا عملكم في أحسن الظروف ولا تطلب في المقابل شهادات تقدير أو عرفان وكل ما تطلبه هو أن يكون لها الحق في التمتع بثمرة انجازاتها وبنصيبها في هاته «المهارة المشهودة» التي جاهدت من موقعها للمساهمة في تكوينها، مثلها مثل «الحرفاء من البلدان المجاورة والاوروبية» بأسعار وآليات تراعي امكانياتها حتى لا يشترك الجميع في التضحيات وتستفرد فئة معيّنة بالامتيازات وهذا التساوي في الحقوق والواجبات هو مبدأ من المبادئ الاساسية للنظام الجمهوري الذي نحن بصدد الاحتفال هاته الايام بمرور إحدى وخمسين سنة على قيامه. سيدي رئيس عمادة الاطباء، لقد أخطأ «الكنام» حين عاملنا كمواطنين قصر نستوجب الوصاية باستثنائنا من كل مراحل التفاوض، وهو سبب كاف حتى يكون رفضنا مبدئيا، وعاملكم على انكم مواطنون متميّزون لبى ولازال يلبي جميع رغباتكم من ترفيع في أجرة العيادة والغاء لشرط المرور بطبيب العائلة وأتصّور انه سيتم قريبا الغاء شرط تعاقد طبيب الاختصاص مع «الكنام» لاستخلاص المصاريف المدفوعة من قبل المضمون الاجتماعي، ومع ذلك تقبلناه لا لأنه يستجيب لكل آمالنا وطموحاتنا بل لانه يمثل خطوة على الدرب الصحيح وجب على الجميع الوقوف وراءها لتدعيمها وتصحيح هناتها بما يحفظ حقوق كل الاطراف بمن فيهم المضمون الاجتماعي ويسمح لها بالاستمرار والتطّور. لذا نأمل منكم كهيكل له وزنه يحتضن الالاف من النخبة التونسية ومن باب «انخراطكم في بناء مجتمع سليم»وحرصكم على «المشروع الحضاري» (الذي يمر وجوبا عبر ارساء منظومة جبائية عادلة في احتسابها للمبالغ المستوجبة للدولة وعادلة في طرق فرضها واستخلاصها وعادلة في محاسبة كل اخلال عبر تجريم التهرب الضريبي وانزال العقوبة الرادعة بكل من تخّول له نفسه سرقة مستحقات بلده وهذا ما لا نراه اليوم في تونس) و«توقكم الى مجتمع المعرفة» و«اسهامكم من موقعكم في العناية بقطاع الصحة» ان تضعوا مطالبكم جانبا ولو الى حين وأن تتبنوا مطلبا وحيدا لكل المواطنين وهو حقهم في العلاج. في الختام، تحية اجلال وتقدير لكل أطبائنا المحترمين ومن ضمنهم شقيقي العزيز طبيب الاختصاص الذي قد لا يعجبه ما كتبته لكني أرى أنها كلمة حق وجب الاصداع بها. محمد حسام قريعة للتعليق على هذا الموضوع: