عشية إحياء الذكرى الأولى للحرب التي شنّتها القوات الإسرائيلية على لبنان والتي دامت أكثر من شهر وراح ضحيتها مئات المدنيين الأبرياء في الجنوب وفي العاصمة بيروت إضافة إلى التدمير الهائل الذي لحق بالبنية الأساسية تعالت بعض الأصوات المتطرفة داخل إسرائيل تنادي ب«القصاص» داخليا من المسؤولين عن الاخفاقات العسكرية التي تعرّضت لها القوات العسكرية أثناء حرب الأربعة والثلاثين يوما حسب وصفها وخارجيا من «المعتدين» على شمال إسرائيل والمسؤولين عن «خطف» جنديين إسرائيليين، في عملية اعتبرت آنذاك الشرارة لإندلاع هذه الحرب. ولئن انتقد البعض رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالي وحمّله المسؤولية كاملة في ما آل إليه هذا الإعتداء الإسرائيلي على الجنوب وعلى العاصمة اللبنانية من فشل وإخفاق فإنّ الأمر بالنسبة للمقاومة اللبنانية في الجنوب والمقاومة الفلسطينية داخل الأراضي المحتلة يمثل انعطافا في مسيرة مقاومة الإحتلال بعد أن انهارت الهالة العسكرية التي كانت تحيط بالجندي الإسرائيلي بفعل الدعاية العسكرية على امتداد عقود والإنكسار الذي لحق بالآلة العسكرية الإسرائيلية رغم ما تمتلكه ترسانتها من أحدث وأدق المعدّات الحربية. ولكن هل أمكن للمقاومة سواء في الجنوب اللبناني أو داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة استثمار هذا الانعطاف لفائدة المقاومة؟ يطرح هذا السؤال وواقع الحال في كل لبنان وفلسطين يمرّ بمرحلة دقيقة للغاية تؤكّد إهمال توظيف انهيار صورة الجندي الإسرائيلي «الذي لا يقهر» لتصعيد المقاومة لتدخل بدل ذلك في متاهات صراعات داخلية دامية نالت من استقلالية القرار اللبناني وشوهت القضية الفلسطينية وأعادتها إلى الخلف أشواطا. ويعتبر بعض الملاحظين للشأن اللبناني والفلسطيني أنّ قوى أجنبية متواطئة ساهمت بل ساعدت على تصعيد الموقف بين الأحزاب السياسية الفاعلة على الساحة اللبنانية وسمّمت الأجواء بين التيارات هناك وشجعت على اقتراف جرائم الإغتيال في حق رموز سياسية وفكرية لتعمّق الهوّة بين الفرقاء... فإنّها كذلك لم تتوان عن دق إسفين بين الأشقاء الفلسطينيين إلى حدّ التقاتل بينهم وسقوط عشرات الضحايا المحسوبين عن هذا الفصيل أو ذاك... إنّ إسرائيل التي انهارت صورتها العسكرية... وسقطت قياداتها في أوحال الفضائح السياسية والأخلاقية تعتبر في نظر هؤلاء الملاحظين عرّابة هذا الصّراع المميت بين الفرقاء سواء داخل لبنان أو داخل الأراضي الفلسطينية... وهي بذلك تدفعهم للاقتتال بالوكالة عنها واضعافهم وتشويه صورة القضايا التي من أجلها دفع الكثيرون في لبنان وفلسطين أرواحهم لكسبها وأبرزها الحرية والاستقلال والكرامة بعيدا عن كل أشكال الوصاية.