تونس الصباح: هناك مظاهر غريبة وسلوكيات عجيبة تظهر مع رمضان.. ولا يملك الواحد منا إلا أن يتعجب من ظهورها وتفشيها ليبتلي بها الجميع وتصبح بمثابة القاعدة.. هذه المظاهر تتمثل أساسا في التشنج السريع والعام الذي يطال نسبة هامة من الناس في الشارع والأسواق عامة، وعلى الطرقات على وجه الخصوص. والحالة غير العادية التي نشير إليها لم يهتم بها الاختصاصيون ولم تصدر حولها دراسات متصلة بسلوكيات الناس في رمضان لحد الآن. وكل ما سجل من انطباعات أو وصف لهذا السلوك كان مجرد متابعة إعلامية لبعض المشاهد من هذه السلوكيات الغريبة والعجيبة التي لا يصدق الواحد منا أو يعتقد أنها صادرة عن عقلاء متحضرون، وواعون كل الوعي بما يفعلون. سباق محموم وغير مبرر.. والكل في عجلة الغريب في الأمر أن في رمضان ينقلب السلوك العام، ويتحول ذلك الضغط والتسيب والارتخاء في الحركة التي تطبع في العادة حياة الناس إلى سرعة.. فالكل تراه في عجلة من أمره، سواء كان يقطع الطريق أو يعمل أو يشتري ما يحتاجه.. وهذا السباق مع الزمن أو الساعة لا ندري من أين جاء؟ هل هو خاصية تواكب الصوم؟ أو مظهر من مظاهر الخوف والجوع والعطش، وبالتالي يخفي بحثا على الفوز بالراحة في أسرع وقت ممكن. البعض يصف الظاهرة بالتشنج السريع الذي ينتج عن الشعور الذي يسيطر على الناس نتيجة حاجتهم للغذاء والتدخين والماء الذي حرموا منه.. والبعض الآخر يفسره بهوس يتملك الناس تحت ذرائع متعددة من هذا القبيل.. أما أطراف أخرى فإنها تشير إلى أن معظم ما يصدر من ممارسات عن المواطنين يمثل ردة فعل، وتحد للقانون في كل أبعاده باعتبار أن الحالة التي يكون عليها الفرد وقت الصيام تعتبر غير عادية في نظره، وبالتالي تسمح له إتيان بعض الممارسات التي قد لا يقدم عليها في الايام العادية.. أما أطراف أخرى فإنها تصف مظاهر التشنج والتهور في رمضان بضرب من الاختلال في مدارك الأفراد، وبالتالي عدم سيطرة على الحركات التي تصدر عنهم. فكيف يكون هذا الإختلال وما هي أبرز الحركات التي تنتج عنه ولا يمكنه السيطرة عليها؟ حركة متشنجة في الشوارع والاسواق الغريب في الأمر أن سلوك السرعة أو التسرع يظهر خلال شهر رمضان في غير مواقعه... فإذا ما جلت في بعض الإدارات، أو وقفت في طابور أحد شبابيكها طلبا لقضاء بعض الشؤون، فإنك تصاب من كثرة بطْء سير الأمور بالإعياء، ويتملكك الضجر من طول البقاء، وقد تظفر بقضاء حاجتك حينا، وأخرى يضيق صدرك، فتغادر المكان وأنت في غضب وهيجاء.. من لاحظته من تكاسل باد في كل الأنحاء. أما إذا ما سرت في الشارع، أو دخلت بعض الأسواق والمساحات الكبرى، فإن الزحمة والسرعة تكون التصرف العام، وكأن الناس هناك يسابقون الزمن. فلا أحد يغفر لك التباطؤ والتمهل، ولا يغفر لك الكل أي خطإ ولو كان بسيطا، ولأتفه الأسباب تتعالى الأصوات بالشتائم والسباب. إن هذا السلوك الذي يظهر لدى الناس في رمضان، ضرب من الهستيريا والجنون، وكثيرا ما يؤدي إلى المحضور، ولعل الظاهرة لا تقتصر على طرقات وشوارع وأماكن دون أخرى، وأناس دون آخرين. بل هو سلوك تنخرط فيه نسبة هامة من الناس. فهل يتناولها الاخصائيون بالدراسة والتحليل؟ عنجهية لا تعترف بقانون الأولوية على الطريق هذه السلوكيات التي لا نعرف لها سببا لحد الآن، ولم تشملها دراسات علمية معمقة ودقيقة تتفشى في كل الأوساط، وتتجلى في كل الحركات، وتحصل أيضا لأتفه الأسباب.. فإذا ما سرت على طرقاتنا بكل أنواعها تلاحظ الصلف والعنجهية التي تصيب الناس.. فلا يصبح للأولوية على الطريق أي معنى، وتتحول العلامات المرورية لدى نسبة هامة من الناس، إلى أشياء لا معنى لها، فتراهم يركبون الأخطار في اجتياز التقاطعات وحرق الأولويات، وتجاهل الغير، بل والتطاول عنه أن اقتضى الأمر. أما الأضواء الحمراء ، فإن جميعها تصبح في نظرهم خضراء، واجتيازها يبات أمرا سهلا ولا يتطلب خوفا ولا عناء. وكم هي حالات الصدام بين السيارات التي تحصل في كل يوم، وتؤدي الى عراك وسب وشتم وحتى تشابك بالأيدي وسط الطريق. ساعة يحدق فيها الخطر السير على طرقاتنا بكل أصنافها قبل الإفطار بساعة يعني التهور الكامل والخطر الداهم.. فالكل تراه يسير بسرعة جنونية، ولا يقدر الاخطار، ولا يحفل بمن يقطع الطريق أو يسير معه عليه. كما يغيب الحس بالسيطرة على السيارة وبحق الآخر في الطريق ، والغريب في الأمر أن الظاهرة تصبح عامة يمارسها الصغير والكبير والمرأة والفتاة، وينخرط فيها أيضا سواق الشاحنات والحافلات. هذه السرعة وعدم المبالاة أنجر عنها أول أمس حادث خطير بشارع محمد الخامس، وآخر على الطريق الوطنية رقم 8، ولا شك أن أمثال هذه الحوادث التي حصلت كثيرة ومتعددة على طرقاتنا خلال يومين فقط من استهلال رمضان. فهل يثوب الناس إلى رشدهم ويقلعون على السرعة والتسرع على الطرقات؟