يبدو أن ما يسمى «بوعد بوش» الذي تعهد فيه الرئيس الأمريكي الحالي بالتوصّل لاتفاق بين الفلسطينيين وإسرائيل قبل نهاية العام الجاري (جانفي 2009) تاريخ انتهاء فترته الرئاسية الثانية ومغادرته البيت الأبيض، لن يكتب له التحقق في الواقع ومن المستبعد جدا أن ترى فيه الدولة الفلسطينية المرتقبة النور باعتبار أنّ كل المؤشرات تؤكد أن عملية السلام الجارية حاليا مآلها هي الأخرى الفشل الذريع مثلها مثل خطوات سابقة نظرا لعدم جدية الطرف الإسرائيلي وعرقلته الدائمة لقطار السلام. التّشاؤم حيال عملية السلام بين الطرف الفلسطيني والإسرائيلي ليس حدثا عارضا في الواقع وهو ليس بالأمر المستجد، فقد تعود الشعب الفلسطيني ولسنين طوال على مثل هذا التصرّف من لدن قادة الدولة العبرية الذين أتقنوا جيّدا لعبة التملّص الدّائم من كل تعهداتهم، كما برعوا في إتقان فن المغالطة وعرقلة عجلة السّلام وقبر كل جهد يمكن أن يؤدّي إلى إحلال سلام عادل يكفل للطرفين وشعوب المنطقة ككل حقوقهم وسيادتهم غير المنقوصة. وفيما يؤكد المسؤولون الإسرائيليون أن أولمرت يريد التوصل إلى اتفاق سلام شامل مع الفلسطينيين بحلول نهاية السنة الجارية وبأن الدولة العبرية جادة في دفع عملية السلام وعازمة على إنجاح المفاوضات التي انطلقت في أعقاب مؤتمر أنابوليس برعاية أمريكية أقرت السلطة الفلسطينية بصعوبة التفاوض مع الإسرائيليين خاصة منها ما يتعلق بقضايا الحل النهائي وهو جوهر ما أكده رئيس وفد التفاوض أحمد قريع لدى لقائه مبعوث الرباعية توني بلير، بالقول لا سلام دون حل جميع القضايا دفعة واحدة في إشارة إلى ما تردد من أن أولمرت قد اقترح على عباس خلال لقاء القدس الأخير إبرام اتفاق سلام انتقالي «جزئي» يستثني احدى القضايا الأساسية وهي قضية القدس التي يصر الفلسطينيون بكونها تمثل خطا أحمر ولا يمكن التنازل عنها لأنها ستكون عاصمة دولتهم المرتقبة وبالتالي لا يمكن الحديث بشأن التفويت في جزء منها بشكل أو بآخر. تأكيد إسرائيل على اتفاق سلام جزئي يستثني القضايا الأساسية مثل القدس واللاجئين هو تكرار لسيناريو التهرّب الدّائم من مواجهة الواقع والاعتراف بالحقوق الفلسطينية المغتصبة، وهو محاولة إسرائيلية أخرى لتلميع صورتها أمام العالم وأمام الرأي العام الدولي لتظهر بأن نواياها طيبة وجادة في صنع السلام، لكنها في الواقع تبطن عكس ما تظهره لذلك فإن القادة الفلسطينيين يرفضون مثل هذه الحلول الجزئية أو تأجيل أي من قضايا الوضع النهائي «فإمّا الاتفاق على كل شيء وإما لا شيء». في الحقيقة إن التشاؤم حيال عملية السلام في الشرق الأوسط واستبعاد التوصل الى اتفاق قبل نهاية العام الجاري بين الفلسطينيين وإسرائيل يظهر بالكاشف أن الهوة بين الجانبين ما تزال شاسعة حول جميع القضايا بشكل يصعب تذليلها أضف إلى ذلك أنّ قادة تل أبيب لم يكونوا من أوسلو إلى الآن جادين في إعادة الحقوق المغتصبة لأصحابها، ولذا يتوجب على الفلسطينيين توحيد جهودهم ونبذ خلافاتهم الداخلية قبل فوات الأوان وكي لا يطلوا إلى نقطة يصعب منها العودة إلى الوراء.