رغم كل بيانات التحذير بشان تهديدات محتملة تستهدف مصالح امريكية في اليمن ورغم حرص الادارة الامريكية على استباق الاحداث وترحيل الموظفين غير الاساسيين العاملين في سفارتها باليمن فقد وقع المحظور ونجحت المجموعة التي تبنت عملية امس وفق البيان الذي تم توزيعه في مهاجمة السفارة الامريكية في العاصمة اليمنية صنعاء لتكون الحصيلة المزيد من اراقة الدماء والارواح والمزيد من التساؤلات والغموض بشان ما يعيش هذا البلد على وقعه منذ فترة ليست بالقصيرة من تمرد للحوثيين ومن تفجيرات واعتداءات متكررة ومن انتشار غريب للسلاح ما جعل اعين الامريكيين لا تتخلف عن مراقبة ما يحدث في اليمن لا سيما وان مهاجمة المدمرة الحربية الامريكية يواس اس كول قبل ثماني سنوات في ميناء عدن اليمني وسقوط سبعة عشر من البحارة الامريكيين انذاك لا تزال حاضرة بقوة في اذهان الاستخبارات الامريكية التي فشلت في استباق الحدث او منعه او على الاقل الحد من تبعاته لتبدا مع ذلك الحادث اول بوادر الحرب الخفية على الارهاب والتي اتخذت وجها جديدا بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر مع تضييق الخناق على عناصر القاعدة في اليمن ولجوئهم الى جبال ومغاور افغانستان . ولعل في توجه الادارة الامريكية التي اتخذت من المقر السابق لزعيم تنظيم القاعدة اسامة بن لادن مقرا لسفارتها ما يمكن ان يعكس خيارا غير محسوب ومحفوف بكثير من المخاطر المحتملة لاسيما وان الموقع معروف بالنسبة لاعداء الادارة الامريكية للرئيس بوش وهم كثيرون في منطقة لا تزال تنظر الى مواقف هذه الادارة من الحرب على العراق وافغانستان ولبنان وما يحدث في دارفور والصومال ومن تاييد مطلق لاسرائيل مبررا لاعتبار امريكا عدوها الاول هذا طبعا فضلا عما يروج بشان الاصول اليمنية للعديد من عناصر القاعدة وكذلك الشان بالنسبة لعدد مهم من سجناء غوانتانامو ... ومع انه قد يكون من السابق لاوانه التوصل الى أي نوع من الاستنتاجات بشان ماحدث بالامس الا ان فيما تناقلته مختلف وسائل الاعلام عن اطوار وملابسات الحادث من شانه ان يعكس جملة من الحقائق التي لا يمكن تجاهلها ذلك ان هذا الهجوم ياتي بعد اقل من اسبوع عل انقضاء الذكرى السابعة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر والتي كانت دوما مقترنة بمخاوف من وقوع هجمات في عدد من العواصمالغربية كما ياتي ايضا بعد ايام قليلة على هجوم نسب لتنظيم القاعدة استهدف ولاول مرة موريتانيا بما يمكن ان يعكس امتداد المخاطرالارهابية للمتطرفين الى شمال افريقيا رغم كل التجاهل الذي رافق احداث موريتانيا ... ومع انه لاشيء يمكن ان يبرراستهداف الابرياء فقد يكون منفذوا الهجوم ارادوا من خلاله الرد على تصريحات مدير جهاز الاستخبارات الامريكية مايكل هايدن الذي قال ان زعيم تنظيم القاعد واسامة بن لادن المطلوب الاول للولايات المتحدة لم يعد يقود عمليات التنظيم وانه يبذل معظم طاقاته للبقاء على قيد الحياة ... ثم انه وبرغم كل الاجراءات الامنية المتشددة وبرغم كل التحذيرات السابقة فقد امكن للمهاجمين الذين تنكروا في ازياء لرجال الامن من الوصول الى هدفهم اوهذا على الاقل ما كانوا يعتقدونه اذا كان الوصول الى الهدف مقترنا بسقوط اكبر عدد ممكن من الضحايا. ولعل الاهم الان يبقى مرتبطا بحقيقة تلك التهديدات بشان استهداف المزيد من المصالح البريطانية والامريكية وحتى العربية المتهمة بالتواطؤ مع الادارة الامريكية ومساعدتها في مخططاتها للقضاء على شبكة القاعدة وفي انتظار ما يمكن ان تكشفه التحقيقات المرتقبة بشان هجوم الامس فان ما حدث لا يمكن ان يكون بمعزل عما يحدث في العراق، افغانستان وباكستان حيث تستمر الجبهة المعلنة من الحرب الامريكية على الارهاب فيما يبقى اليمن الجبهة الخلفية التي تشهد اعتماد التكنولوجيا الحديثة والطائرات من دون طيارلتعقب المطلوبين بعيدا عن الانظار بما يمكن ان يساعد على تفادي ما يحدث في افغانستان وباكستان من مجاز ادمية ومن عمليات القصف الخاطئ المتكررة التي تستهدف العائلات والمدنين من النساء والشيوخ والاطفال... واذا كان لقوة السلاح دورفي الحرب على الارهاب للتصدي لمخططات المتطرفين الذين يسعون لنشر الفوضى فان الدور الاكبر يرتبط بضرورة مكافحة عقليات الجحور والمغاور التي تتخفى خلف العمائم كما خلف قبعات الكوبوي وتتمعن في ايذاء الاخرين. الحقيقة الواضحة اليوم انه قد انتهى زمن كان يمكن فيه لاخبار سقوط الجنود الامريكيين في العراق ان تثير الارتياح والتشفي في النفوس التي ارتبطت خاصة بفترة الاحتلال الاولى للعراق وما رافقها من اهانات ومن انتهاكات للعرب والمسلمين ورغم ان الواقع العراقي لم يتغير اليوم الى ما يمكن ان يعيد هذا البلد الى موقعه ومكانته فان الاكيد ان العالم قد ضاق ذرعا باخبار الموت والقتل والتفجيرات والانتقامات وان الوقت ربما يكون حان مع ظهور قيادات جديدة مرتقبة في البيت الابيض الى مزيد من الاتزان بما يساعد على القضاء على الفقر والجهل والتخلف والحرمان وليس على مزيد نشر اسباب الرغبة في العنف والانتقام والتدمير والخراب...