قبل بضع سنوات كانت عملية بيع الدجاج مختلفة تماما عمّا يوجد الآن، كان الباعة يوفّرون الدجاج الحيّ ويبيعونه بسعر في متناول «الزوّالي» وبالتوازي مع ذلك يقومون بذبح الدجاج في محلاتهم ويبيعونه بسعر أرفع وهذا طبعا مفهوم وفي الواجهة المقابلة من المشهد توجد محلات تبيع منتجات شركات معروفة وفي هذه المحلات لا يوجد ذبح ولا «ترييش» بل كل شيء يأتي جاهزا... هذا الوضع الطبيعي حذف من خارطة بيع الدجاج عندما رأت الرقابة الصحية والاقتصادية بعد أكثر من 40 عاما من الرضي والصمت أنه صحي ففرضت واقعا آخر نعيشه الآن وهو تحريم الذبح في المحلات ومنع بيع الدجاج الحيّ أصلا. لعبة القط والفأر مبدئيا امتثل بائعو الدجاج للقرار فلم يعد بإمكانهم بيع الدجاج الحيّ وأجبروا في البداية على بيع منتجات شركات معينة مما يعرف بالدجاج المهيإ للاستهلاك أو اختصار بالأحرف اللاتينية P.A.C ومعناها بالفرنسية Prêt à consommer لكن مع مرور الوقت عاد الكثير من البائعين إلى «نصف الواقع القديم» حيث لم يعودوا يكتفون ببيع تلك المنتجات بل أصبحوا يذبحون «سكريتو» ويخلطون هذا بذاك و«ديما يمشي» مثلما يقولون في إحدى ومضات الإشهار..! وطبعا تعرّض العديد منهم إلى دفع خطايا المخالفات لكن اللعبة لم تنته ولا يمكن أن تنتهي أبدا. الحيلة في السعر دخلت أحد المحلات التي تبيع الدجاج ولاحظت أن صاحب المحل كتب سعر البيع على ورقة وضعها بصورة واضحة للعيان حيث يمكن لأي حريف أن يقرأ 4000/كلغ وبعد أن ناولني البائع ما طلبت وكان بالصدفة كيوغراما و500غرام طلب مني 6990 مليما فاستغربت خاصة أن الحسبة سهلة جدا وهي 4000+2000 = 6000 مليم... وفي الأثناء كان مساعده يفعل نفس الشيء مع بعض الحرفاء الذين لم يخفوا استغرابهم وطلب كل واحد منهم توضيحا فقال البائع إننا لم نقرأ جيّدا لأن ما كتبه هو 4660 مليما وليس 4000 مليم مثلما قرأنا جميعا..!!! ولئن اقتنع بقية الحرفاء ودفعوا وانصرفوا فقد بقيت في مكاني أنتظر تفسيرا مقنعا فاغتنم البائع الفرصة وقام بالتفسير «المقنع» الذي أوحى لي بفكرة هذا التحقيق إذ قال: «يا ولدي كان ما نتحايلشي معاهم توّة نسكّر الحانوت في شهر واحد»! كيف يتحايل ولماذا؟ هذا السؤال أجاب عنه البائع بنفسه فقال: «السعر المعمول به حاليا هو 4000 مليم وهو مفروض علينا... وقد فرضوا علينا كذلك بيع منتجات معيّنة «جاهز للطبخ» هذه المنتجات لا يحبّذها حرفاؤنا الذين اعتادوا على «الفرشك» ولا يميليون إلى «الكونجيلي»! وبما أنني مثل الكثير من زملائي، أذبح الدجاج وحدي إرضاء لحرفائي فأنا مجبر على وضع ذلك السعر وقد تعمّدت كتابة رقمي 6 بشكل يشبه الصفرين حتى إذا جاءني عون مراقبة قرأ مثلما قرأتم!! ولو تقيّدت بالسعر المطلوب فإني سأعلن فلستي في شهر على أقصى تقدير لأن السعر الذي اشتريت به يفوق أربعة دنانير وهكذا ترى أني أتّقي شر الرقابة وأرضي حرفائي في نفس الوقت؟! بأي حق يختارون استهلاكنا؟ ولعلّ أغرب ما في هذه الحكاية أن بعض الحرفاء يعرفون هذه الحقيقة ويدركون أن السعر المكتوب (الذي يشبه 4000 و4660 في نفس الوقت) ليس حقيقيا لأن ما يهمّهم هو نوعية الدجاج وليس سعره. سألت بعضهم الرأي في هذه المسألة فاختصر أحدهم الإجابة بقوله: «نحن نعرف كل شيء وقد كان الوضع السابق أفضل بكثير وهنا أودّ أن أطرح بعض الأسئلة على الجهات التي فرضت علينا وعلى الباعة، هذا الواقع فأقول: لماذا تفرضون علينا استهلاك منتوج معيّن وبالتالي توجهون استهلاكنا وبأي حق تفرضون ذلك؟! فإذا كانت التعلّة صحتنا فهناك الكثير من الوسائل التي تسمح بمراقبة الانتاج قبل بيعه ولا أظن أن الدجاج الذي تشهد الدوائر الصحية بأنه سليم قبل الذبح في هذه المحلات يصبح مريضا وخطرا على صحتنا بعد ذبحه؟! ثم لمصلحة من كل هذا؟! إننا نعرف أن المنتجات التي يراد فرضها علينا مضى على ذبحها وتجهيزها كثير من الوقت فلماذا يريدون لنا أن نأكل «البايت»؟! وإضافة إلى كل هذا هناك نقطة مهمّة جدا وهي أن أصحاب محلات البيع يذبحون الدجاج أمامنا أما هذه السلع التي تأتينا جاهزة فمن أدرانا أنها مذبوحة بطريقة سليمة؟! لقد سمعنا الكثير عن طريق ذبحها (بالجملة حسب ما قيل لنا) لذلك نحن لا نحبّذها ونطالب بأن يعود الوضع إلى ما كان عليه خاصة أن الخصمين (نحن والباعة) راضيان فلماذا لا ترضى الجهات الأخرى»؟! وزارة التجارة توضّح جملة هذه الملاحظات حملناها إلى مصدر مسؤول بإدارة المنافسة والأسعار فقدم لنا جملة من التوضيحات كان أهمها ما يلي: «استغرب أولا من أين جاء المواطنون بهذا الكلام؟! فالوزارة وبالتالي الدولة، لا تجامل طرفا على حساب أطراف أخرى ولم يكن قرار منع الذبح في دكاكين باعة التفصيل اعتباطيا وإنما جاء ليقطع كل الشكوك التي حامت حول الدواجن أثناء انتشار مرض أنفلونزا الطيور في بلدان أخرى من العالم والهدف الأساسي والأهم في منع الذبح هو ضمان سلامة المستهلك، ولهذا الغرض يوجد الآن 17 مذبحا مرخصا من بنزرت إلى الجنوب وفيها تذبح الدواجن لأن هذه المذابح تخضع إلى رقابة صحية صارمة من قبل الجهات المسؤولة وعلى ما يبدو فقد تم الترخيص ل12 مذبخا آخر ليرتفع العدد بما يتيح الفرصة للجميع ويقلّص المسافات خاصة أمام باعة التفصيل، وليعلم الجميع أن السوق هي التي فرضت هذا الواقع وليس الدولة وليس للوزارة أية منفعة في توجيه الاستهلاك مثلما قال البعض». جمال للتعليق على هذا الموضوع: