على وقع عمليات التفجير الانتحارية التي تخلّف يوميا عشرات الضحايا بين قتلى وجرحى في العاصمة وأغلب المدن العراقية، يأتي تصريح وزيرة الخارجية الأمريكية في شكل تقييم يتّسم بقدر كبير من الواقعية وخلافا للتصريحات السابقة حيث أكدت أنّ طريق الولاياتالمتحدةالأمريكية كان «أشق وأطول وأصعب» محذّرة من أنّه «رغم بعض التقدّم الذي تحقّق مؤخرا إلاّ أنّ النّجاح في العراق ليس أمرا مؤكّدا». وهذا الإقرار بهشاشة الوضع العسكري والأمني في العراق بعد أكثر من خمس سنوات على غزوه، تؤكده العمليات الانتحارية اليومية ضد القوات الأمنية والعسكرية العراقية والاغتيالات المتواصلة والمتبادلة ضد مسؤولين في الحكومة أو في تنظيمات طائفية. لقد اعتمدت سياسة الولاياتالمتحدةالأمريكية المتبعة في العراق على القتل والتهجير والتدمير وزجّ الآلاف في السجون ودفع النعرات الطائفية إلى السّطح وتغذيتها، معتبرة أنّ هذا المنهج هو الوحيد الذي يمكّن قوات الاحتلال من مسك زمام الأمور وإعادة ترتيب البيت العراقي بما في ذلك ضمان الأمن والتعايش بين الطوائف والاعتماد على حكومة محلية قويّة قادرة على تجسيم خيارات الشعب... ولكن هذه السياسة مهّدت لطريق طويل وشاق وصعب أمام قوات الاحتلال ممّا حدا بوزيرة الخارجية الأمريكية إلى التخلّي عن سياسة المكابرة والتضليل والإقرار صراحة بأنّ «النجاح في العراق ليس أمرا مؤكّدا». وهذا الإرث الثّقيل الذي سيخلفه الرئيس القادم كان مرّة أخرى جزءا من مناظرة بين المرشحين للرئاسة الأمريكية الديموقراطي أوباما والجمهوري ماكين اللّذين تبادلا المزايدات أثناء المناظرة الثانية وقبل الأخيرة من موعد الانتخابات الرئاسية مطلع الشهر القادم حين اختلفا بشأن دعم القوات الأمريكية في العراق أو سحبها وفق جدول زمني... ولسائل أن يسأل ماذا جنت الولاياتالمتحدةالأمريكية بعد سنوات الغزو وتدمير البلاد وتقويض أسس الدولة وإعدام رموزها؟ لقد أجمع أغلب الملاحظين بمن فيهم مهندسو السياسة الخارجية الأمريكية السابقين بدءا بهنري كيسنجر وصولا إلى بيكر أو أولبرايت وكريستوفر وكولن باول أن النّفط هو الطلسم السحري.. الذي يبرّر كلّ هذه الويلات لشعب فقد الكثير وعليه الانتظار لعقود حتى يعود إلى وضعه الطبيعي.