قبل سبع سنوات أوهم الرئيس الأمريكي بوش أنه بغزو أفغانستان والإطاحة ب"طالبان" في مرحلة أولى وإيجاد ذرائع لغزو العراق في مرحلة ثانية يكون قد وضع بين يديه مفاتيح القضاء على الإرهاب وكسب حربه عليه ونجح في تشكيل تحالف إلا أنه فشل في مسعاه بل إن باكستان أحد أبرز حلفاء أمريكا في الحرب امتدت إليها الفوضى وبدأت تشهد بوادر فتنة كبرى. ولعل حصيلة السنوات السبع في أفغانستان تمثل خير دليل على فشل السياسة الأمريكية وما تخللها من أخطاء جردت نظرية الحرب الاستباقية من المشروعية إذ لم يكن التركيز على الحل العسكري إلا محاولة لتأبيد الاحتلال في حين بقي الاهتمام بإصلاح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ثانويا وهو ما استغلته حركة "طالبان" واستعادت شعبيتها لدى قطاعات كبيرة من الرأي العام الأفغاني. وأعطت العمليات العسكرية ل"طالبان" دفعا لنظيرتها في باكستان لتضاعف اعتداءاتها مستغلة التوترات السياسية التي أعقبت استقالة الجنرال برويز مشرف وحصول توترات سياسية بعد انسحاب حزب نواز شريف من الائتلاف الحكومي وإصراره على إعادة قضاة المحكمة العليا الذين أقيلوا في عهد مشرف وقد وجدت "طالبان " باكستان في التوترات والمشاحنات بين الأحزاب ما يشجعها على تضييق الخناق على المجتمع الباكستاني الذي تتجاذبه توجهات وخيارات عديدة لكن متناقضة في معظمها لأنها وليدة مصالح ضيقة. ويبدو أن حكومة كابول نفسها بدأت تميل إلى التفاوض مع "طالبان " بعد أن عجزت القوات الغربية على اجتثاث العنف المسلح وتفكيك الحركة وهو ما يمثل تراجعا للحكومة الافغانية وللإدارة الأمريكية خصوصا أن الاعتماد على مقاومة التطرف والإرهاب كان حجر الزاوية لسياسة الحكومتين. ولا شك أن كل إشارة للتفاوض مع "طالبان" في أفغانستان ستكون رسالة تحمل في طياتها مؤشرات تشجيع ل"طالبان" باكستان على مواصلة تحديها للدولة ومؤسساتها بما سيعنيه من إهدار لامكانيات الشعب الباكستاني بعد أن تم تمرير "مسرحية" إشاعة الاستقرار في أفغانستان. إن التلاعب بحاضر الشعبين الأفغاني والباكستاني لا يمكنه أن يخدم سوى مصالح قوى أجنبية يهمها تواصل التوترات والحروب في منطقة لم تستقر نهائيا منذ خروج القوات البريطانية من شبه القارة الهندية وتقسيم الهند في ظل طموحات ومنافسة من جانب أطراف عديدة لديها استراتيجياتها وأجنداتها .