جاءت الأزمة المالية التي بدأت أمريكية وأصبحت عالمية بفعل ترابط الاقتصاديات وتشابكها وسهولة العدوى في مثل هذه الحالات لتضع علامة استفهام كبرى بخصوص قوة أمريكا ومستقبل ثقلها ووزنها السياسي في العالم أولا كزعيمة للعالم الحر كما كان يطلق عليها أثناء الحرب الباردة بما في ذلك تزعمها للنظام الليبرالي وثانيا كقوة عالمية وحيدة ومدى قدرتها على مواصلة أداء دور القطب الوحيد. ولعل جانبا كبيرا من الرأي العام الأمريكي سيحمل الإدارة الجمهورية مسؤولية الأزمة التي كانت بوادرها واضحة حتى قبيل الصائفة اي منذ حصول أزمة الرهن العقاري وبالتي قد يعطي تواصلها إلى فترة الحملة الانتخابية أكثر من ذريعة لكي ينفض الناخبون عن المرشح الجمهوري ما كين إما بالتصويت لمنافسه الجمهوري أوباما وإما بالامتناع عن التصويت تعبيرا عن الامتعاض من عجز الطبقة السياسية في التوصل إلى حلول عاجلة وناجعة. أما وقد صادق الكونغرس على خطة الانقاذ ومع توقع تواصل الانكماش الاقتصادي في أمريكا طيلة الأشهر الستة الأولى من العام القادم فإن أي إدارة أمريكية مقبلة ستتحمل مسؤولية ذلك الوضع سواء فاز المرشح الديموقراطي أو منافسه الجمهوري بل ربما تكون المرة الأولى منذ سنوات طويلة التي يتوجب فيها توجيه اهتمام كلي للمسائل الاقتصادية الأمريكية بعيدا عن مشاغل السياسة الخارجية . وهذا ما يعني أن الحرب في العراق التي راهن كل من أوباما وماكين عليها من زاوية معارضتها أو مواصلتها ستصبح بندا ثانويا في الحملة الانتخابية الرئاسية لتكون الأزمة المالية المحك الكفيل بإعطاء المرشح "الكفء" فرصة الفوز في الانتخابات . ربما كان بوش يعتقد أن في نهاية فترته الرئاسية سيترك اقتصادا في وضع طيب غير ان تسارع الأحداث ربما طرح تساؤلات بخصوص الأسباب الحقيقية وراء تعمق الأزمة وبالتالي فإن أوباما الذي كان ينظر له إلى وقت قريب بمثابة البديل بخصوص إنهاء الحرب في العراق وحفظ ماء وجه الولاياتالمتحدة لن يقدر على تحمل تبعات سياسة اقتصادية أفرزت أزمة طالت بلدانا عديدة وقد تبقى رواسبها لأشهر طويلة. إنها المرة الأولى التي تجرى فيها انتخابات رئاسية أمريكية في ظل أزمة خطيرة ألقت بظلالها على النفسيات وعلى المناخ العام بأمريكا حيث يغلب الامتعاض والقلق والحيرة والخوف من المستقبل،، فمن يقدر على إعادة الطمأنينة إلى الناخب الأمريكي لحمله على التصويت بدل مقاطعة صناديق الانتخاب؟