وزير الشؤون الخارجية يشارك بسيول، في الاجتماع الوزاري التحضيري للقمة الأولى الكورية-الإفريقية    قبلي: الاتحاد الجهوي للشغل يطالب في لائحة مهنية حول تطورات ملف شركة البستنة بتصنيفها كقطاع عام    الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه الدولية: تراجع النتيجة الصافية ب30 بالمائة في 2023    سليانة: إعطاء إشارة إنطلاق موسم حصاد القمح    حادث اصطدام بين تاكسي جماعي وسيارة بسوسة..وهذه حصيلة الجرحى..    فظيع: انتحار كهل داخل منزل مهجور بهذه المنطقة..    "الهريسة التونسية" إصدار جديد للتعريف بهذا التراث الغذائي التونسي المسجل على لائحة اليونسكو    الاستعداد للحج .. "شوق" وعادات وفيه "منافع للناس"    تونس : أكثر من 140 ألف مترشح سيجتازون مناظرة باكالوريا 2024    وزير الدّاخليّة يتفقد الإدارة العامة للعمليات بمقر وزارة الداخلية    المالديف تحظر دخول الإسرائيليين أراضيها    فظيع/ وفاة صحافية بلدغة ثعبان..    بطولة فرنسا: سانت إتيان ينتزع بطاقة الصعود لليغ 1    تفاصيل بيع تذاكر مواجهة المنتخب الوطني ومنتخب غينيا الإستوائية    مدرب الترجي غاضب ويلوح بالرحيل.    الحكومة المصرية تقدم استقالتها للسيسي    حوادث : مقتل 11 شخصا وإصابة 314 آخرين خلال ال24 ساعة الأخيرة    عاجل/ القيزاني يفجرها ويكشف: "اخلالات في هذه القطاعات وقرارات قريبا"..    نابل: حجز أزياء عسكرية وايقاف صاحب شركة    فظيع/ حاول انقاذ ابنه فهلك: وفاة كهل غرقا بأحد شواطئ الحمامات..    المرصد التونسي للاقتصاد يدعو إلى إرساء سياسة فلاحية تكرّس مبدأ السيادة الغذائية    ر م ع شركة اللحوم ل"الشروق": نسعى لتوفير 4000 رأس من الأضاحي    مدير عام المنافسة : وفرة مادتي الفارينة و السميد    وزيرة التربية : ''هناك عزوف على شعبة الرياضيات و السبب برامج الابتدائي''    اليوم: أعوان الصيدليات الخاصة يحملون الشارة الحمراء    19 مليار دينار استثمارات متوقعة.. الهيدروجين الأخضر طاقة تونس للمستقبل    عاجل : إيقاف ''يوتيوبر'' اشتهر بنشر فيديوهات مع العصابات حول العالم    إدارة الترجي الرياضي تحيل حارس مرمى على لجنة التأديب و الانضباط    غرفة تجار المصوغ : البنك المركزي غير قادر على توفير الذهب لأصحاب المعامل    مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى..#خبر_عاجل    سمها قاتل وانتشرت مؤخرا .. أخصائي يحذر من تناول هذا النوع من السمك    الرابطة المحترفة الثانية: برنامج مباريات الجولة الخامسة و العشرين    مدرب الترجي معلقا : ''ما شاهدته في الدربي لم يكن كرة قدم، بل حرب وفوضى ''    طقس الاثنين: الحرارة تصل الى 42 درجة بهذه المناطق    خامنئي: عملية طوفان الأقصى أفشلت محاولات التطبيع مع الكيان الصهيوني    الفنانة إبتسام الرباعي ل«الشروق».. أتمنى تطهير الساحة الفنيّة من الدخلاء    القيروان: برمجة ثرية في مهرجان المشمش بحفوز (صور)    فيلم "المابين" لندى المازني حفيظ يتوج بجائزة أفضل فيلم في مهرجان الفيلم العربي بروتردام    اليابان : زلزال قوي بلغت شدته 5,9 درجات يضرب وسط البلاد    عاجل - تونس : ارتفاع استهلاك السجائر لدى اليافعين والأطفال تزداد أكثر فأكثر    نقص أدوية وطول إجراءات...مرضى السرطان يعانون في صمت!    رغم نجاحات أطبائنا...مستشفياتنا تعاني... والصحة «مريضة»    تونس الأولى عربيا في التدخين والسيجارة الإلكترونية بديل قاتل    سريلانكا.. فيضانات وانهيارات طينية تخلف 10 قتلى ومفقودين    مع الشروق .. يرومون الدفء العائلي.. لكن !    ردّا على حملة في «الفايسبوك»...وزارة التربية تمنع حمل الكوفية الفلسطينية خلال امتحانات الباكالوريا    الهند: موجة حر تخلف عشرات القتلى و25 ألف اصابة بضربة شمس    لأول مرة في الكويت: نجوم مصريون يحيون 'ليلة النكد'    الترجي يفوز على الافريقي 2-1 ويصبح على بعد نقطة من التتويج..    مكتب منظمة الصحة العالمية بتونس: معدّل عمر متعاطي أول سيجارة في تونس يناهز 7 سنوات    وفاة المخرج الشاب محمد أمين الزيادي    المخرج التونسي الشاب محمد أمين الزيادي في ذمة الله    إحالة اللاعب أصيل النملي على لجنة التأديب والانضباط    متى تبدأ ليلة وقفة عرفة؟...وموعد صيام العشر الأوائل من ذي الحجة    عادل خضر نائب لأمين اتحاد الأدباء العرب    من الواقع .. حكاية زوجة عذراء !    الشايبي يُشرف على افتتاح موسم الأنشطة الدّينية بمقام سيدي بالحسن الشّاذلي    مواطن التيسير في أداء مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من المعرفة إلى التآلف ضدّ الانغلاق والتطرّف
نشر في الصباح يوم 19 - 10 - 2008

اسدلّ الستار على الندوة العلميّة الدولية التّآلف والوئام بين الأديان والتحدّيات الثّقافيّة الرّاهنة التي نظّمها المعهد العالي لأصول الدّين - جامعة الزيتونة على امتداد أيام ثلاثة بالتّعاون مع مؤسّسة كونراد إدنار الألمانيّة.
وقد كسبت هذه النّدوة إلى حدّ كبير الرّهانات التي انعقدت من أجلها، ومنها تجاوز الدّعوة للحوار إلى تجسيم الحوار نفسه. وتجاوز الدعوة إلى التّّعارف إلى ترسيخ التّعارف بين سائر الثّقافات والحضارات والأديان بحثا عن وئام حقيقي وفعّال بين الإنسانيّة جمعاء، بقطع النظر عن الدّين والعرق والثقافة. وقد تأكّد ذلك من خلال تشريك محاورين أكفاء وجامعيين خبراء وباحثين مختصّين في الأديان وتاريخ الثّقافات وقضايا الرّاهن الحضاري لمجتمعات اليوم، وهو راهن احتدم فيه الصّراع، وتعارضت فيه المصالح، واشتدّ فيه نسق التّأويلات للنّصوص الدينيّة والنصوص المرجعيّة الكبرى رغبة في إيجاد الشّرعية لمواقف ومصالح وقضايا مطروحة أو يراد لها أن تجد طريقا إلى الحلّ.
ولمّا رأت الإنسانيّة اليوم أنّ الحوار قيمة عليا، ومثال سام لابدّ من الرّهان عليه لإيجاد مخارج لحالة التّصادم والتّضادّ بين جهات ومجموعات بشريّة وألوان سّياسيّة ودّينيّة مختلفة، ذهبت دول كثيرة ومجموعات بشريّة مختلفة في هذا المسار، وبدا ذلك متعثّرا أو محلّ رفض عند آخرين. وكما هو معلوم كانت تونس بامتياز من ضمن البلدان العربيّة والإفريقيّة التي أخذت بفكرة الحوار، وراهنت عليه أفقا أمثل لحلّ العديد من المشاكل والقضايا. وفي هذا السّياق بالذّات ظهرت منازع قراءة للموروث الفكري والحضاري تبحث عن تلك القيم العليا والمثل السّاميّة التي في ديانة الإسلام، وفي ما ارتبط به من فكر وقراءات. وقد ترسّخ هذا المسار منذ إعلان عهد قرطاج للتّسامح سنة 1995 ليتدعّم بعد ذلك ببعث كرسي بن علي لحوار الحضارات والأديان في فجر الألفية الثالثة. وانخراط جامعة الزّيتونة بمؤسّساتها المختلفة في مسار إرساء ثقافة الحوار ولا سيّما المعهد العالي لأصول الدّين الذي نظّم عديد النّدوات العلميّة الدولية الكبرى التي أصبحت الأبحاث المقدّمة ضمنها وثائق مرجعيّة في مجال البحث العلمي الخاص بقضايا الحوار والتّآلف بين الثّقافات والأديان. وقد نشر الكثير منها سواء ضمن المجلة المرجعيّة "التّنوير" التي تصدرها نفس المؤسسة أو في الكتب المعتبرة التي نشرها بالاشتراك مع مؤسسة كونراد إدناوز.
وهنا يجدر أن نوضّح أنّ نظام التّعليم والتّكوين في المعهد العالي لأصول الدّين قد اعتمد بصفة جدّية في السّنوات الأخيرة على استراتيجيّة محكمة تلائم بين المنهج ومادّة التّكوين أو التلقّي، فأدخلت بصفة جدّية العلوم الإنسانيّة وأدواتها النظريّة إضافة إلى تخصّصات علم الدّين المقارن وتاريخ الأديان المقارنة وعلم الاجتماع الدّيني والتصوّف المقارن والفلسفة وقضايا الفكر المعاصر، وأخرجت مواد العلوم الدّينيّة كالفقه وعلم الكلام والحديث والتّفسير من الطّريقة التقليديّة في التدريس والطرح إلى طريقة تواكب جديد مناهج القراءة والتّأويل وتنفتح على قضايا الواقع، ولا تحتكر فهم النّصوص في تفسير واحد يزعم أنّه الحقّ. وهنا يجب أن نوضّح أن تجديد فعل القراءة والتأويل فيه إحياء وبعث جديد للنّص.
وهكذا تتضافر مسيرة العطاء العلمي والثّقافي مع الدّرس وحلقات البحث الأكاديمي، فبدأت تترسّخ تقاليد بحث علمي نزيه وقراءة منفتحة وخلاّقة للدّين وللفكر الدّيني، والمشكل يتعلّق كما هو معلوم بالفكر الدّيني الذي يعني مجمل الاجتهادات والتّأويلات البشريّة المتّصلة بفهم نصّ المعتقد (القرآن) وتفسيره تلك التّفاسير والقراءات التي تشكّل مجمل مقالات سائر الفرق والمذاهب الإسلاميّة. وهي مقالات مازالت مؤثّرة رغم أنّها في جوانب كثيرة منها ماهي إلا تعبيرات عن قراءات شخصيّة، وتأويلات ذاتيّة لحدث الوحي (القرآن) ساهم الواقع والسّياق التّاريخي في إفرازها لتؤدّي وظائف اجتماعيّة بل سياسيّة معيّنة، ولعلّ هذا ما يمنحنا الشرعيّة اليوم في نقد تلك القراءات والاجتهادات ونتجاوز التأويلات المذهبيّة (الإديولوجيّة) للدّين. تلك التّأويلات التي كثيرا ما تقف حجر عثرة أمام تطوّر الفهم وتحقيق الغاية المثلى من الدّين التي من أركانها الإيمان بالآخر والاعتراف بديانته وبأنبيائه، وتسليم أمر الحكم على الصائب من الخاطئ أو النّاجي من المذنب لله وحده الذي قال عزّ من قال: "إنّ الذين آمنوا والّذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إنّ الله يفصل بينهم يوم القيامة إنّ الله على كلّ شيء شهيد" (سورة الحجّ الآية 17) والإيمان في الإسلام كما ورد ذلك في خاتمة سورة البقرة هو إيمان بالرسل جميعا ضرورة، قال تعالى: "والمؤمنون كلّ آمن بالله وملائكته، وكتبه ورسله، لا نفرّق بين أحد من رسله" (سورة البقرة من الآية 284) صلوات الله عليهم جميعا.
وهو عزّ وجلّ يدعو إلى التّعاون بين البشر جميعا وأوجب علينا فعل المعرفة قال جلّ وعلا: "يا أيّها النّاس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم" (سورة الحجرات الآية 13).
ولمّا كان مطلب المعرفة أكيدا ولازما لزوم وجوب كما نصّت على ذلك الآية الكريمة، فإنّ ما يجري اليوم من لقاءات حوار وندوات حول الآخر والدّعوة إلى معرفته ودراسة ثقافته ينصبّ ضرورة في بعد من أبعاد الرّسالة السمحة لدين الإسلام، ولنبل ما جاءت به. وللأسف تناست الذّات المسلمة هذا البعد قرونا وقرونا تحت وطأة الحروب والجهل وعصور الانحطاط. واليوم لمّا تأكّدت الحاجة للحوار والتّسامح ومعرفة الآخر التي هي من جوهر الدّين، بدأ الواجب أكبر أن يذهب المسلمون الحقيقيون ممن يخشون الله ويؤثرون الحقّ عما سواه في اتّجاه بناء المعرفة مطلقا، والمعرفة بالآخر على وجه الأخصّ دون انغلاق لأنّ الانغلاق يتحوّل ببساطة إلى تطرّف وإقصاء للآخر، ووبال على الذّات والدّيانة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.