تونس/الصباح: يتم مساء اليوم خلال افتتاح الدورة 22 لأيام قرطاج السينمائية تكريم الراحل يوسف شاهين بعرض فيلمه «هي فوضى» الذي اخرجه بالاشتراك مع المخرج خالد يوسف وهي أول مرة يستعين فيها يوسف شاهين بأحد تلامذته لانهاء عمل بدأه ولعل المرض هو الذي الزمه وحتم عليه ذاك الاختيار ولكن لماذا يوسف شاهين ولماذا «هي فوضى» الذي سبق أن عرض سنة 2007 وشارك في مهرجان البندقية ضمن المسابقة الرسمية واختلفت حوله الآراء حيث ما عرض ووجهت له اتهامات عديدة. ثم انه لا يعتبر افضل ما اخرجه يوسف شاهين خلال مسيرة 60 سنة من العمل الجاد المرتكز على البحث والتجديد والمغامرة واقتحام سكينة الفرد والمجموعة بمضامين غير مسبوقة في اغلبها. ان لاختيار ادارة ايام قرطاج السينمائية تكريم المبدع الراحل يوسف شاهين اكثر من معنى فبقطع النظر عن مكانته بين مبدعي جيله في البلدان العربية والافريقية والعالم في مجال اختصاصه يعتبر الراحل ابن ايام قرطاج السينمائية اذ مثلت مشاركاته فيها محطة هامة في حياته الفنية وعلامة مضيئة في مسيرته السينمائية اعطاها بحضوره المتميز بقدر ما اخذ منها وقد كان من اوائل المتوجين فيها اذ حصل فيلمه «الاختيار» على التانيت الذهبي سنة 1970. وكانت مشاركاته فاعلة تصب كلها في صلب توجهات المهرجان واختياراته سواء كضيف شرف للتكريم او في لجان التحكيم. عطاء بلا حدود ثم ان يوسف شاهين شخصية مميزة ذات عطاء طافح غمر عددا كبيرا من الممثلين المصريين بدرجة اولى (ويكفي انه اول من غامر وقدم عمر شريف للسينما) ثم العرب اذ مكن ممثلين من كل الدول العربية تقريبا من الظهور في افلامه بداية من فيروز في فيلم «بياع الخواتم» الى ماجدة الرومي في «عودة الابن الضال» الى لطيفة العرفاوي في فيلم «سكوت ح نصور» الى درة زروق في فيلم «هي فوضى». 60 عاما من العطاء المتواصل افرزت 40 شريطا سينمائيا طويلا اي بمعدل شريط كل سنة منذ ان اخرج «بابا امين» سنة 1950 الى «هي فوضى» سنة 2007 مرورا ب«باب الحديد» الذي مثل فيه و«صراع في الوادي» و«جميلة بوحيرد» (المناضلة الجزائرية) و«الناصر صلاح الدين» و«فجر يوم جديد» و«بياع الخواتم» سنة 64-65 و«الارض» سنة 1969 و«العصفور» و«عودة الابن الضال» و«اسكندرية ليه» و«حدوتة مصرية» و«وداعا بونابرت» و«اسكندرية كما وكمان» و«المهاجر» و«المصير» و«الآخر» و«سكوت ح نصور» و«اسكندرية نيويورك» سنة 2004 وصولا الى «هي فوضى». اغراض صادمة ونقد لاذع كل هذه الافلام في السينما العربية والعالمية وهذه البصمة لم توشح طريقة اخراجه لافلامه فقط وانما اختياره الدقيق لما يخرجه من افكار غير مستهلكة وغير جاهزة فافلامه متنوعة الاغراض صادمة محرجة للفرد والجماعة داعية للتساؤل والتفكير في ماهية الوجود والعلاقات الانسانية وما يحكمها من قوانين تتشعب وتتفرع كلما وضعت موضع السؤال. كما كانت ليوسف شاهين طريقته الخاصة في التعامل مع مساعديه ومتقمصي شخصياته اساسها الوضوح والقيم الانسانية النبيلة والاخذ بيد الآخر ليتجاوز نفسه ويفرج عن مكامن موهبته مما يجعل الممثل يلبس الشخصية من الداخل والخارج حتى يحس المشاهد انه يعيشها ولا يمثلها. وتعامله الانساني هذا وتسامحه وتشجيعه للمبتدئين ولغير المختصين واعتماده في احيان كثيرة على الوجوه الجديدة لم يكن يتعارض مع كونه متصلبا صارما لا يترك للصدفة محلا في عمله بل كان يدقق في كل شيء ويخطط لكل كبيرة وصغيرة في ادارته لعمله. مرآة لعصره لقد كان يوسف شاهين مرآة لعصره وعكست افلامه كل الظواهر الاجتماعية والتحولات الاقتصادية والسياسية ولم تخل انتاجاته من واقع في مرارة العلقم احيانا اذ تعرض للراهن اليومي للمواطن العربي وارخ لانتصاراته الفردية وهزائمه الجماعية ونضاله في سبيل مواجهة ما تفرضه عليه تحديات العولمة والانفتاح على الآخر وذلك سواء في افلامه ذات المواضيع الاجتماعية او التاريخية او في تلك التي اعتنت بسيرته الذاتية التي بحث فيها عن صورته في عيني الآخر الى ان كان فيلم «هي فوضى» الذي عاد فيه الى عرض المواجهة بين السلطة السياسية والشعب والدعوة للثورة على الظلم ولعل تطرق هذا الفيلم لهذا الموضوع الجريء الذي اعاد يوسف شاهين الى الافلام الملتزمة بالقضايا الشعبية العامة هو الذي دفع هيئة المهرجان السينمائي الى اختياره للافتتاح. اتهم بالاستهانة بالاديان «هي فوضى» الذي سيشاهده جمهور ايام قرطاج السينمائية الليلة يطرح قضية الفساد والرشوة واستغلال النفوذ ويقوم بادوار البطولة فيه كل من خالد صالح ومنة شلبي ودرة زروق وهالة فاخر وهالة صدقي قد يكون من اسباب اختياره لسهرة الافتتاح بالذات ما رافق عرضه في مصر من مشاكل وتشكيك في صدق ما جاء فيه وما يروجه عن الشعب المصري الذي يعيش وحدة وطنية لا خلافات فيها بين الاديان وخاصة بين المسيحيين والمسلمين اضافة الى الدعاوى القضائية التي رفعت ضده واتهامه بالاستهانة بالاديان وبرموزها واثارة الفتنة. على كل ومهما كان الامر ومهما كان سبب الاختيار فانه ولا واحد من افلام يوسف شاهين وقع عليه اجماع بل كان هناك دائما من يقول «ان هذا الفيلم لا يمثلنا وان ما يحكيه لا علاقة له بواقعنا ولا بحقيقتنا بل تلك حقيقته هو وحقيقة الشق الذي اختار ان يعمل معه ولفائدته. ييقى ان نذكر بان يوسف شاهين قال انه يعتز ب«هي فوضى» لانه: «تضمن افكارا ورسائل عن اكثر من اتجاه تطلبت كتابة سيناريوه اكثر من سنتين قضاهما في البحث والتأمل والتثبت ثم اخرجه وقصد به صيحة فزع ونداء استغاثة لتحريك الضمائر والوقوف صفا في وجه الظلم بكل اشكاله.