تاتي زيارة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إلى تونس في سياق تطلعات تحدو الجانبين التونسي والفرنسي سواء على الصعيد الثنائي أو الإقليمي ولئن كانت التطلعات تستمد جذورها من عراقة العلاقات الثنائية ومن مرجعيات تاريخية ومصالح مشتركة يجسمها تعاون ومبادلات في ميادين شتى فإنها تستمد مشروعيتها من رغبة مشتركة في رفع جملة من التحديات بفعل التحولات في العالم والتغيرات الجيواستراتيجية الطارئة منذ 2001 بما يعطي مجالا أرحب أولا لإعطاء نفس جديد للعلاقات الثنائية وتعميق الشراكة وثانيا للبحث عن إطار عملي أكثر وذي فاعلية ومردودية للشراكة الأشمل في الفضاء المتوسطي. والرئيس الفرنسي واضح في نظرته للعلاقات بين تونسوفرنسا فتأكيده في حديثه ل«الصباح» على أن تعميق الشراكة بين البلدين من أولياته وقوله «هناك بين فرنساوتونس صداقة قوية قوامها الاحترام والثقة المتبادلة ولا بد من صونها وتطويرها»، دليل على رغبة وإرادة صادقة جاءتا متماشيتين مع الرغبة والإرادة التونسيتين لمزيد الارتقاء بالعلاقات إلى مستوى الشراكة الفعلية ودائما في إطار الاحترام المتبادل لسيادة الدول واحترام الخصوصيات والخيارات والأولويات. ففرنسا أحد أهم الشركاء ويهمها كثيرا أن يكون التعاون مع تونس دوما مثمرا ولم لا يكون مثالا للعلاقات بين بلدان ضفتي المتوسط،، تعاون تحدده المصالح المشتركة يهدف إلى الدفع نحو الاستقرار بلا عقد أو مركبات خصوصا أن تونس التي عرفت على مر العقود بالتفتح والتسامح وانتهاجها السبل السلمية وتمسكها بالشرعية الدولية قادرة على أن تكون عاملا نشيطا وفاعلا على الصعيد المتوسطي. هذا الصعيد الذي أولاه ساركوزي اهتماما خاصا باقتراحه إقامة اتحاد متوسطي يجمع بلدان المنطقة يبقى الإطار الأفضل لتعاون وشراكة بين ضفتي المتوسط بالنظر إلى ما حققه مسار برشلونة خلال العشرية الماضية وبالتالي سيتابع الرأي العام في الضفتين كل الجهود لكي يرى الاتحاد النور. وإذا كانت سياسة الهجرة قد طرأ عليها في عديد بلدان الضفة الشمالية تغييرات سمتها التشدد خصوصا بسبب الهجرة السرية من الجنوب ومآسيها فإن العمل المشترك متوسطيا كفيل بالحد من سيل الهجرة وهو ما يعني ضمنيا تآزرا للتشجيع على مشاريع تنموية وخلق مواطن شغل. فالانفاح المتزايد لأوروبا «الغربية» على أوروبا الشرقية لا يجب أن يحجب حقيقة كون الضفة الجنوبية للمتوسط تشكل حدودا جنوبية للاتحاد الأوروبي وبالتالي فإن «تأمينها» يمر عبر الشراكة الفاعلة مع دول الضفة الجنوبية وحل القضايا العالقة وخصوصا النزاع الفلسطيني الإسرائيلي بما من شانه القضاء على البطالة والفقر وأسباب الإرهاب ويكرس الأمن والاستقرار في منطقة ما فتئت تتأثر بانعكاسات ذلك النزاع. إن آمالا كبرى تعقد على زيارة الرئيس ساركوزي منها إعطاء نفس جديد للعلاقات وللشراكة وبداية العد التنازلي لإقامة اتحاد متوسطي خصوصا أن عديد التصريحات الصادرة عن الرئيس الفرنسي تؤشر لدور فرنسي نشيط وفاعل على الأصعدة الأوروبية والمتوسطية وفي الشرق الأوسط.