لا يبدو رئيس الوزراء الإسرائيلي أولمرت معترفا بحقيقة ما يجري حوله لذلك مازال يأمل في انتزاع اتفاق مع الفلسطينيين يحفظ له ماء الوجه أولا لأنه سيغادر الحكم وهو يجر أذيال فضيحة مالية وثانيا لأنه طالما رفض تقديم تنازلات وتحقيق ما رفضه غيره من رؤساء الحكومات الذين تعاقبوا على الحكم بعد اسحاق رابين. فعندما يزف أولمرت خبر موافقته على الإفراج عن 250 أسيرا فلسطينيا محتجزين في سجون الاحتلال فإنه في قرارة نفسه يأمل في تحقيق تقدم على المسار الفلسطيني قد يكون أسهل من وجهة نظره من تقدم على المسار السوري وبدا وكأنه يقدم منة للسلطة الوطنية الفلسطينية علها تقدم على مفاوضات الثواني الأخيرة بهدف التوصل إلى اتفاق طال انتظاره فلسطينيا فيما عمل الجانب الإسرائيلي ومنذ انسحاب الإرهابي شارون على تجميد الأوضاع ومواصلة سياسة تتناقض كليا مع أصوات دعاة السلام. لذلك أظهر رئيس الوزراء الإسرائيلي موقفا "إنسانيا" بقبوله الإفراج عن عدد من المعتقلين الفلسطينيين يوم عيد الاضحى وكأنه يقدم هدية ذات قيمة كبيرة ستحسب له وتكمل رصيده السياسي في ظرف لا يشك أحد أنه لا يمثل أرضية لإنعاش المفاوضات بالنظر إلى واقع الفلسطينيين المتسم بالانقسام وكذلك إلى الساحة السياسية الإسرائيلية التي تنتظر انتخابات سابقة لأوانها قد تعيد ناتنياهو وحزبه الليكود إلى الحكم إضافة إلى ترقب تولي الرئيس الجديد منصبه في الولاياتالمتحدة. فما معنى إذن أن يتم تحديد عدد الذين سيتم الإفراج عنهم بينما تبقى السجون الإسرائيلية تعج بالمعتقلين الفلسطينيين ومنهم من تم اختطافه بطريقة لا يمكنها إلا أن تنفي صفة التحضر عن إسرائيل؟ ولماذا لا ينهي أولمرت عهده باتفاق "تاريخي" ينسي الإسرائيليين الفضيحة المالية ويدخله التاريخ من بابه الواسع؟ الواضح أن إسرائيل في المرحلة الحالية ربما تفكر جديا في اتفاق مع السلطة الفلسطينية حتى وإن كان جزئيا لتحقيق نوع من الانفراج في المنطقة بما يسهل مستقبلا التوصل إلى اتفاق أشمل مع إسرائيل ويضع غزة ب"حماسها" في دائرة العزلة فلسطينيا وعربيا ودوليا إضافة إلى الحد من ضغظ إيران على جانب من الفلسطينيين. إن الجيل الجديد من السياسيين الإسرائيليين ليسوا من البارعين في فن التفاوض السري والعلني الذي كان رابين أفضل من استخدمه في سياسة براغماتية تضمن لإسرائيل الأمن والاعتراف العربي بها وتعطي الفلسطينيين مرحليا جانبا من حقوقهم وأولمرت من بين هؤلاء لأنه فضل السير في الطريق الذي اختطه شارون وحظي بمباركة الإدارة الأمريكية. ومهما سيمثله الإفراج عن 250 أسيرا فلسطينيا من فرحة لعائلاتهم فإنها ستكون فرحة منقوصة لأن الأراضي الفلسطينية مازالت سجنا أكبر تحاصره إسرائيل التي لا تتورع عن قصف المدنيين وتجويعهم واختطافهم تحت تعلات عديدة ضاربة بذلك النواحي الإنسانية عرض الحائط.. ويبقى السؤال مطروحا : ما تخفي منة أولمرت؟