إذا كان إعلان قرار إحداث رخصة مبدع منذ قرابة السنتين من طرف رئيس الدّولة وتحديدا في اليوم الوطني للثقافة 2007، قد أدخل البهجة على كثير من المبدعين الذين يعيشون صعوبة دائمة في التوفيق بين مستلزمات الوظيفة ونداء النبض الإبداعي، فإن أغلب الظن أن الانطلاق في تنفيذه مؤخرا والإعلان عن إسناد هذه الرخصة في دفعة أولى إلى خمسة مبدعين، وقع اختيارهم من بين 22 مترشحا، يُشكل بهجة مضاعفة، لأن دخول القرار حيز التنفيذ يؤهلنا للحديث بثقة عن تحقيق مكسب هام لصالح المبدع التونسي الحقيقي الذي أثبت من خلال بعض النماذج استحقاقه بالتمتع بهذه الرخصة بما تم تقديمه من تراكم إبداعي ومن حضور أضفى على تجربته تقديرا معينا، يُنبئ بالمزيد من النضج والتطور الفني والجمالي. وطبعا فإن الدفعة الأولى التي حظيت ترشحاتها بالقبول ونقصد كل من سوف عبيد وصلاح الدين الحمادي وعبد الرزاق السنوسي وفائزة اسكندراني وحفيظة قارة بيبان، تحمل على عاتقها مسؤولية جسيمة إذ بحكم أنها الدفعة الأولى، مطلوب منها إظهار جدية مضاعفة وإثبات أن المبدع التونسي يتعاطى مع هكذا مكسب بروح التفاني وهو ما سيُلمس بعد انتهاء مدة التفرغ للإبداع حيث من المنتظر أن نشهد ثمرات التفرغ ونتأكد من ايجابيات أن يحظى المبدع بالتفرغ ويوفر لأثره الفني الخلوة الذهنية والنفسية اللازمة بعيدا عن ضغوطات الوظيفة وضرورة تأمين المكافأة الشهرية. ولكن في مقابل ذلك من المهم أن لا نغفل أننا في بداية العمل برخصة مبدع وأن للبدايات بشكل عام تعثراتها ومفاجآتها، مما يجعل أي حكم موضوعي غير متعجل، يترك لهذا المكسب المدى الزمني الضروري حتى يُؤتى أكله وهو ما يجب أن تُسهم في تحقيقه دفعات من المبدعين التونسيين وليس الدفعة الأولى فقط. ذلك أن تغلغل مكسب رخصة مبدع في واقع الممارسة الإبداعية والثقافية هو الذي سيجعل من هذه الرخصة آلية فاعلة من آليات تحفيز الإبداع وتجسيد رؤى خطابنا الثقافي الرسمي الطامحة إلى مزيد الإشعاع الثقافي، في زمن دولي تعيش فيه المعركة الثقافية العالمية جولة محتدمة وساخنة. من جهة أخرى، نعتقد أن الفرحة بمثل هذا المكسب وهو يتحول من قرار إلى مدار التنفيذ، لن تكتمل إلا إذا انضم القطاع الخاص إلى تبني العمل برخصة مبدع، باعتبار أن المكسب حاليا لا ينتفع به سوى أعوان الوظيفة العمومية، في حين أن من حق المبدع التونسي المنتمي إلى القطاع الخاص الظفر بامتياز رخصة مبدع على الأقل لإثبات أن القطاع الخاص يُشجع الإبداع ومنخرط في أعماق الطموحات الثقافية الوطنية خصوصا أنه والحق يقال ساهم القطاع الخاص في إحداث حراك أدبي لافت. لذا فإن الكرة في ملعب كل الأطراف وأولها المبدع التونسي.