منذ سالف العصور عاش الأديب العربي يعاني من مسألة أساسية تتمثل في كيفية التوفيق بين ضرورات عيشه وبين هواجسه الابداعية! وبقدرما كان قادرا على توفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة لضمان وجوده كان عاكفا على أدبه، والأمثلة لا تحصى ولا تعد في كل عصر وفي كل مصر من أبي حيان التوحيدي الى علي الدوعاجي. لذلك فإن أهم ما يحلم به الأديب عندنا هو أن يحيا بكرامة ليتفرّغ لمشروع أدبه ولقد كان في القانون الخاص برخصة المبدع الصادر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية يوم 4/08/2006 تحت عدد 57 لسنة 2006 والمورخ في 28/07/2006 أكبر الأثر الإيجابي في وجدان الأدباء التونسيين خاصة منهم أولئك الذين يشتغلون ضمن القطاع العمومي التابع بالنظر لادارات ومؤسسات الدولة، فهذا القانون يسمح لهم بالاستراحة من قيود الوظيفة، وما فيها من تكريس لوقتهم ولطاقاتهم - مع المحافظة على حقوقهم - ليقبلوا على أدبهم وعلى فنونهم وعلى بحوثهم في شتى المجالات الثقافية التي يشملها هذا القانون الذي نعتبره رائدا بالنسبة لكثير من دول العالم ناهيك عن الأقطار العربية التي لئن تفرغ فيها أديب أو مبدع أو مثقف فلا يكون إلا على حساب وضعه العائلي أو على حساب حرية ابداعه لأن أكبر أديب عربي معاصر لا يستطيع أن يضمن الحد الأدنى من متطلبات عيشه بمردود كتاباته المادية. والقانون الصادر أخيرا في تونس إذن مكسب ينبغي أن يستفيد منه الادباء والمبدعون الذين يساهمون عن جدارة وباستمرار في تنشيط وتطوير واثراء الثقافة الوطنية بمختلف ألوانها وأشكالها وتعبيراتها وان القارئ المتمعن في هذا القانون يجد ضالته في كثير من فصوله مثل: 1 - تسند رخصة مبدع بمقتضى أمر لمدة أقصاها ستة أشهر يمكن تجديدها في صورة وجود انتاج ابداعي وتواصله. 2 - يواصل المبدع طيلة هذه الرخصة الانتفاع بكامل المرتب والامتيازات ويحتفظ بحقوقه كاملة في التدرج والترقية والتغطية الاجتماعية. ولقد صدر الأمر الذي ينظم تحقيق هذا القانون بصورة موضوعية في الرائد الرسمي للجمهورية يوم 22/12/2006 ومؤرخ بيوم 18/12/2006 وهو يتعلق بضبط صيغ واجراءات اسناد رخصة المبدع ومن بينها خاصة: 1 - تسند هذه الرخصة وتجدد بمقتضى أمر وباقتراح مشترك من الوزير المكلف بالثقافة والوزير الذي يمارس سلطة التسلسل أو الاشراف الاداري ازاء المبدع المعني وبعد أخذ رأي لجنة تنتصب بالوزارة المكلفة بالثقافة. 2 - يوجه طلب الحصول على رخصة مبدع أو تجديدها عن طريق التسلسل الاداري أو بواسطة رسالة مضمونة الوصول. 3 - على المبدع الذي أسندت له الرخصة أن يطلب في أجل شهر على الأقل قبل انتهاء المدة المرخص فيها اما تجديد الرخصة أو ارجاعه الى مركز عمله. إذن يمكن الملاحظة من خلال هذه القراءة لأدبيات الرخصة الابداعية أنها تعتبر مكسبا للمبدعين التونسيين حتى يواصلوا أداء رسالتهم الثقافية التي لا تقل قيمة وعطاء عن غيرها من الميادين وسنظل ننتظر الشروع في تطبيق هذا القانون المبدع هو أيضا!