للمرة الأولى منذ خمس سنوات يصدر مجلس الأمن الدولي قرارا جدّد من خلاله دعمه لعملية السلام في الشرق الأوسط وتحديدا تأييد ما انتهى إليه مؤتمر أنابوليس وهو ما يبدو غير مفهوم في هذا الظرف بالذات خصوصا لما يتسم به الوضع السياسي الإسرائيلي من غموض مع احتمالات عودة الليكود وناتنياهو والانقسام السياسي والجغرافي والمؤسساتي الذي يعيشه الجانب الفلسطيني. وحتى إذا كانت كل من الولاياتالمتحدة وروسيا وراء هذا القرار في محاولة لإبراز وفاق سياسي بين الطرفين فإن محتوى الوثيقة يبقى كغيره من محتويات الوثائق الصادرة عن المجلس مجرد كلام هذا إذا سلمنا بأن ما ورد في القرار الأخير يمثل عنصر تفاؤل قادر على تمكين الفلسطينيين من حقوقهم المشروعة. ودون استباق الأحداث، لا يعكس القرار طموحات الفلسطينيين وربما يزيد من التباعد والجفاء بينهم لذلك كان يفترض أن يحدد مجلس الأمن وهو الهيئة الأهم صلب منظمة الأممالمتحدة أسسا قانونية لاستئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية بهدف إقامة دولة فلسطينية مستقلة وذلك بالتنصيص على وجوب تنفيذ قراراته ذات الصلة بقضية فلسطين. وإذا كان الجانبان الروسي والأمريكي يريان في ما أفضى إليه مؤتمر أنابوليس أمرا غير قابل للنقاش على صعيد الأسس والمبادئ وكذلك على صعيد التفاصيل فإن من شأن ما صدر عن مجلس الأمن أن يبقى سوى حبر قديم على ورق جديد. وإذا كان يُؤمل في احراز تقدم ما، فلا بد من عملية مصالحة فلسطينية تجمع الشمل وتعيد إلى الصف وحدته، لأن أية مفاوضات إن كتب لها أن تبدأ لا يمكن التعامل فيها مع الفلسطينيين وهم منقسمون لأن الأمر سيتحول إلى تأبيد الانقسام الفعلي وإلى وجود دولتين للفلسطينيين. وعلى صعيد آخر يبقى سؤال يطرح نفسه وهو: هل يمكن التوصل إلى اتفاق نهائي لإقامة دولة فلسطينية أي سلام شامل دون حسم قضية اللاجئين والقدس؟ ومن من الفلسطينيين سيتحمّل مسؤولية "تأجيل" أو "تسوية" ملفي اللاجئين والمدينة المقدسة بإخراجهما من السياق العام للقضية الفلسطينية مع ما يطرحه ذلك من حرمان من حقوق لن تجدي أية تعويضات بخصوصها نفعا سواء للمتواجدين خارج فلسطين أو في القدس نفسها. أما بالنسبة للجانب الإسرائيلي فهو ما زال في انتظار انتخابات قد تعيد ناتنياهو وحزبه إلى الحكم أو تعيد التحالف الحالي منقوصا من بعض أعضائه مما يعني أن الحكومة الإسرائيلية المقبلة إما تكون رافضة لأي اتفاق مع الفلسطينيين أوعاجزة عن تبني قرارات "مصيرية". وعلى الصعيد الأمريكي فإن ما أبداه الرئيس المنتخب أوباما من تعاطف كلي خلال حملته الانتخابية مع إسرائيل وسياستها مخيب للأمل في التوصل إلى اتفاق ينصف الفلسطينيين كما أن أوباما سيبقى أسير هاجس الترشح لفترة رئاسية ثانية وهو ما سيعني أنه سيكتفي بإدارة الوضع الراهن. إن قرار مجلس الأمن لن يكون سوى رقم جديد يضاف إلى سلسلة القرارات الأممية الصادرة حول النزاع العربي الإسرائيلي وهي قرارات أهملت عمدا من قبل الإدارات الأمريكية المتعاقبة ورمت بها إسرائيل عرض الحائط... إذن لماذا لا يتم إعادة الاعتبار للقرارات السابقة أم أن القرار الجديد فصل على مقاس الكيان الإسرائيلي خاصة أنه يلح على ما تم التوصل إليه في أنابوليس؟