جربة/الصباح: كل شيء يوحي بالسكينة والهدوء.. صباح يوم شتائي بارد.. وأنت تطأ بقدميك مطار جربة جرجيس.. لكن حفاوة الاستقبال تنعشك وتدفع بالدفء الى كامل جسمك.. هنذه هي جربة الجزيرة النائمة بهدوء في الركن الجنوبي الغربي من الحوض الشرقي للمتوسط بخليج قابس او بما يعرف بسرتا الصغرى عند القدامى.. تنتفض بكل تفاؤل لاستقبال يوم جديد ولتحتفي مع زوارها بافتتاح متحفها للتراث التقليدي تحت اشراف السيد عبد الرؤوف الباسطي وزير الثقافة والمحافظة على التراث وبحضور السلط الجهوية بولاية مدنين وممثل عن البنك الدولي وعدد من اطارات السياحة ووكالة حماية التراث. كان ذلك امس الاول الاربعاء 17 ديسمبر.. على وقع الايقاعات «الجربية» الخالصة انطلقت الرحلة في اعماق المخزون التراثي والابداعي الجربي.. مخزون ثري ومتنوع يحتضنه فضاء أقيم على الطراز المعماري «الجربي» بمسح 2000 م2 ويشيد على ميدان مساحته 4500 م2 وسط الجزيرة. في حضرة التاريخ يستقبلك التاريخ بهيبته وبزخم الاحداث فيه في بهو المتحف.. هنا الجذور التاريخية لجربة.. وهناك تحديد لموقعها الجغرافي وأصل سكانها وأهم عاداتها وخصوصياتها تداولتها الأساطير والميثولوجيا.. تشدّك الاواني التي قدّت من الطين. تتقدم في اعماق التاريخ فتستوقفك محطات تعرّف بالوسط الطبيعي وموارده وعوائقه.. وتكشف لك محطات اخرى كيفية تعامل الانسان مع الصعوبات.. وكان على «الجربي» استنباط طرق متعددة لتجاوز شح الامطار وتوفير منتوج فلاحي يضمن له ولذويه عيشا كريما. ** ويحتضنك البحر بالتقنيات والادوات التقليدية التي صنعها «الجربي» لاستغلال خيرات هذا المحيط المائي المترامي الاطراف والذي يحتضن بكل حب ارضا عشقت الحياة وآمنت بقوة الفعل والانجاز والتأسيس والتأثيث. ** فخار الجزيرة لا غرابة أن تكون جربة ولقرون عديدة المركز الوحيد لانتاج الفخار المخروط في الجنوب التونسي.. حيث تميزت بانتاج مجموعة كبيرة من القطع المعدة للاستعمال.. ويوفر لك المتحف كيفية تعامل «الجربي» مع الفخار وزخرفته وانواعه وأشكاله في جناح شاسع يقدم ايضا أمثلة مصغرّة وورشة تقليدية ونموذج للمطبخ الجربي. «البسكري» للمناسبات الكبرى خصّص المتحف جناحا للمنسوجات الصوفية «الجربية» المستعملة يوميا والأقمشة الحريرية التي تستغل في كساء جدران الغرف وستائر النوافذ.. ويشدك في هذا الجناح «البسكري» وهو رداء فخم.. متعة للناظرين وهذا الرداء ترتديه النسوة في المناسبات والاحتفالات العائلية على وجه الخصوص. المصوغ الجربي ونقف باعجاب اثناء جولتك عبر مختلف أجنحة المتحف عند الجناح المخصص لعرض «المصوغ الجربي» الذي يعد من خصوصيات الجالية اليهودية بالجزيرة منذ قديم الزمان.. خصصت قاعة كاملة في المتحف لعرض هذا المصوغ وفي زاوية منه (مصوغ الجالية اليهودية) من خلال صور عملاقة لداخل بيعة الغريبة وعرض للأزياء التقليدية اليهودية وبعض الادوات الخاصة بالطقوس الدينية. التراث الموسيقي الجربي الموسيقى في جربة لها طابعها الخاص.. وهي تضم قسمين: قسم يضم اغاني العمل التي ترددها النسوة دون ايقاعات او عزف اثناء تعاطيهن لبعض الأنشطة الفلاحية كالحصاد وجني الزيتون او غزل الصوف ايضا. وقسم لأغاني المناسبات الاحتفالية كالأعراس وحفلات الختان ويطلق عليها «الصوت» او «الطواجي» وهي اغاني تؤديها مجموعة متكونة من 4 نساء تقوم اثنتان منهن بالغناء فيما تقوم الاخريات بالترديد. اما القسم الثاني فهي الاغاني المصحوبة بالعزف ونجد فيه قسم آلي بالاساس يبرز خاصة في احتفال العرس الجربي التقليدي مصاحبا بعض مراسمه الطقوسية المتميزة ويتجلى من خلال معزوفات مجموعة «الفزّاعي» او «التجريبة» الذي يؤديه ضارب الطبل لدعوة الناس لمواكبة الحفل الليلي و«السلطني» او «السلطاني» الذي يعزف في بداية الحفل الليلي و«البرابري» الذي يعزف خاصة اثناء الزيارة الطقوسية لشجرة زيتون وتوجد قوالب اخرى خاصة ببعض الانشطة الحرفية والتي من اهمها القالب المسمى (الجربي الروي» ذي النفس الخماسي والذي يعزف أثناء حفر الآبار لحث العمال على بذل مزيد من الجهد والترويح عنهم في نفس الوقت.