هددت اسرائيل ونفذت وقد تابع كل العالم تهديدات مختلف القيادات الاسرائيلية من اولمرت الى بيريز وليفني وناتنياهو بعد ان تحولت غزة ودماء الفلسطينيين الى وقود يلهب الحملة الانتخابية الاسرائيلية ويغذي التنافس بين المترشحين لاستعراض عضلاتهم في القضاء على القطاع المحاصر ومع ذلك فقد ظل العالم هادئا يتابع في صمت كصمت المقابر التعزيزات العسكرية الاسرائيلية العملاقة حول غزة دون ان يحرك ذلك ساكنا لدى اصحاب القرار في العالم ولا في مختلف العواصم السياسية المنشغلة بالاستعدادات للاحتفال باعياد الميلاد. ولم تفلح بذلك كل النداءات والاصوات والتقارير التي حذرت من هجمة اسرائيلية وشيكة تستهدف شعبا اعزل في تفادي مجزرة بشرية جديدة تضاف الى السجل الاسرائيلي الدموي في اقتراف ابشع الجرائم دون ان تطولها يد العدالة والشرعية الدولية... ولعل نظرة واقعية للاحداث من شانها ان تدعو اليوم واكثر من أي وقت مضى حركة حماس الى مراجعة موقعها واعادة اولوياتها وخياراتها وتحمل مسؤولياتها لا سيما بعد ان خبرت الكلفة المدمرة لصواريخ القسام على الفلسطينيين انفسهم بعد ان تحولت تلك القذائف البدائية محلية الصنع الى ذريعة اسرائيلية لتشريع العدوان في كل حين على المدنيين الفلسطينيين. طبعا الامر لا يتعلق بالمساواة بين الجلاد والضحية ولا بتبرير الهجمة الاسرائيلية ولا بترويج ادعاءات الاحتلال الزائفة ولكن الدم الفلسطيني يبقى اثمن واطهر من ان يراق او يذهب سدى بتلك الطريقة. واذا كانت «حماس» حريصة على حماية الدم الفلسطيني من المحتل الاسرائيلي فعليها ان تكون اكثر حرصا على عدم إسالة دم الفلسطيني من طرف أخيه الفلسطيني... ولاشك ان من امكن له متابعة ما اقترفته الالة الحربية الاسرائيلية بالامس قد ادرك بشاعة المشهد وفظاعته بما اعاد الى الذاكرة الانسانية والعربية مختلف الجرائم الاسرائيلية الموثقة على مدى عقود الاحتلال من دير ياسين والخليل والقدس الى صبرا وشاتيلا وغيرها ايضا. لقد اكدت اسرائيل مرة اخرى بعدوانها الهمجي البربري على الشعب الفلسطيني استهزاءها واستهتارها وعدم مبالاتها بالشرعية الدولية وبقوانينها واحكامها وان حقوق الانسان واتفاقيات جنيف في الحرب والسلم لا مكان ولا وزن لها في قاموس الاحتلال الاسرائيلي.... وفي انتظار ان تتحرك المشاعر وان يقرر المجتمع الدولي تحمل مسؤولياته الانسانية اولا والاخلاقية ثانيا والسياسية والتاريخية ازاء الشعب الفلسطيني لدعم حقوقه المشروعة في السيادة وتقرير المصير يبقى الاكيد ان المرحلة القادمة ستكون مصيرية بالنسبة للشعب الفلسطيني وستشكل اختبارا عسيرا للقيادة الفلسطينية ولكل من حركتي «فتح» و«حماس» ولبقية الحركات والفصائل الفلسطينية التي لا يبدو انها تملك الكثير من الخيارات للرد على العدوان الاثم. ولاشك ان في خروج الفلسطينيين من هذه المحنة وقد تجمعوا تحت راية وطنية واحدة صادقة تدعو للخلاص من الاحتلال وتجاوز الخلافات والصراعات والاستفادة من دروس الماضي وما ادت اليه الانقسامات من ضعف محليا وخارجيا افضل واقوى وانجع الردود وابلغ الرسائل الكفيلة بردع اسرائيل وإيقاف جرائمها...